تفاصيل قانون قيصر وتداعياته على لبنان
انتشر في الآونة الأخيرة مفهوم جديد للعقوبات على الساحة الدولية، فاتخذت شكل قانون عرف باسم “قانون قيصر سوريا للحماية المدنية لعام 2019″، وقد دخل حيّز التنفيذ بتاريخ 17 حزيران 2020
قد سمّي القانون، “قانون قيصر” نسبةً للمصوّر السوري، العسكري السابق الذي كان يعمل في تصوير الحوادث الجنائية المرتبطة بالمؤسسات العسكرية وخصوصاً في الطب الشرعي، كذلك جثث المعتقلين داخل السجون “الأسدية”، وقد استخدم هذا الاسم ليخفيهويته الحقيقية
وبعد اندلاع الثورة في سوريا انشقّ “قيصر” عن النظام وانضمّ الى المعارضة، فبدأ بنشر آلاف الصور التي تدين النظام السوريعلى مواقع التواصل الاجتماعي والتي تبرز كمّا هائلا من الاجرام كالتجويع والتعنيف والتعذيب الذي لحق بالأشخاص المعتقلين في السجون “الأسدية” قبل وفاتهم. كذلك، أحدثت هذه الصور ضجّة على السّاحة الدولية خصوصاً في أوروبا وأميركا، حيث تم عرضها في مبنى الاتحاد الأوربي في بروكسل، وفي مجلس النواب الأميركي. وفي عهد الرئيس الأميركي السابق “باراك أوباما” تمّت صياغة مسوّدة “قانون قيصر” بعد ادلاء “قيصر” بشهادته الميدانية أمام الكونغرس الأميركي
ان هذا القانون يستهدف فرض سلسلة عقوبات اقتصادية ضد النّظام السوري وكل من يتعامل معه، على جرائم الحرب التي ارتكبها في حق المدنيين السّوريين لحمايتهم
ما هي ابرز بنود “قانون قيصر” وتفاصيله وثغراته؟ وما هي تداعياته على الدولة اللبنانية؟
سنناقش فيما يلي، اولاً من الناحية القانونية اهم بنود هذا القانون، وثانياً من الناحية السياسية والاقتصادية وتأثيراته على لبنان
اولا: تفاصيل وثغرات قانون قيصر سوريا للحماية المدنية
عُرض قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لأول مرة أمام الكونغرس الأميركي في عام 2017 بحيث وافق عليه مجلس النواب الأميركي، ورفضه مجلس الشيوخ. في العام التالي حصل العكس، رفض النواب التصديق على هذا القانون بعد موافقة مجلس الشيوخ عليه. فما كان من اللوبي السوري داخل الولايات المتحدة الأميركية الا ان عملوا حتى تمكّنوا من ادراج مشروع القانون هذا بموازنة وزارة الدفاع لعام 2020، وهكذا يتم التصويت عليه مع الموازنة وليس بشكل إفرادي. مع الاشارة الى ان التصديق على هذه الأخيرة يحتاج الى موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ فيصبح بالتالي قانون قيصر سهل الاقرار. فأقرّ الكونغرس الاميركي قانون قيصر ووقعه الرئيس في 20 كانون الأول عام 2019
إن هذا القانون قد دخل حيّز التنفيذ تاريخ 17 حزيران 2020 اي بعد 180 يوم من اقراره ما يعادل الستة أشهر، وبحسب المادة 305 منه ينتهي سريانه بعد مرور 5 سنوات على تطبيقه أي من المتوقع انتهاء مفعوله القانوني سنة 2024. يتميّز ” قانون قيصر” بعدم تمتّعه بمفعول رجعي وعدم قابليته للطعن كونه يشكّل جزءا من ميزانية الدفاع الوطني للولايات المتحدة لعام2020 كما ذكرنا سابقاً
أ – الأشخاص الخاضعين لقانون قيصر
اما فيما يتعلق بالاشخاص المعنيين بهذا القانون، تطبق هذه العقوبات الاقتصادية بشكل اساسي على الرئيس السوري وزوجته، رئيس الوزراء ونائبه، مجلس الوزراء ورؤساء القوات المسلحة والاستخبارات، وزراء الداخلية، القادة والنواب وقادة الحرس الجمهوري والمحافظون، بحيث ضمت القائمة الصادرة عن القوات الاميركية 39 شخصا وما فوق. مع الاشارة الى انّ هذه العقوبات ستطبق على مراحل عدة وينتظرالعالم قوائم جديدة بأسماء اضافية
امّا بما يخصّ الاشخاص الاجانب الخاضعين للعقوبات بموجب هذا القانون، فقد اعتبرت المادة 102 منه انه يتم فرض العقوبات ليس فقط على اشخاص النظام السوري، انما ايضا على الاشخاص الاجانب الذين يتعاملون مع هذا النظام. فيحق للرئيس الاميركي فرض العقوبات على الشخص الاجنبي في حال عمد الى توفير الدعم المالي او المادي او التقني او قام بصفقات ذات أهمية مع النظام السوري أو مع شخصية سورية سياسية رفيعة المستوى أو أي شخص أجنبي متعاقد عسكرياً أو مرتزق أو قوة شبه عسكرية يعمل عن عمد داخل سوريا ولصالح حكومتها او باسمها. الأمر عينه ينطبق على الحكومتين الروسية والإيرانية أو أي شخصية اجنبية خاضعة مسبقا للعقوبات الأميركية
كذلك يخضع له كل شخص يبيع أو يوفر سلعاً أو خدمات أو تكنولوجيا أو معلومات أو دعماً كبيراً عن علم، أو أي دعم آخر يسهل بشكل كبيرصيانة أو توسيع الإنتاج المحلي للحكومة السورية من الغاز الطبيعي أو البترول اوالمنتجات البترولية، أو أي اجنبي يبيع أو يقدم عن عمد قطع غيار للطائرات العسكرية السورية او لأي شخص أجنبي يعمل في منطقة تخضع لسيطرة مباشرة أو غير مباشرة من قبل الحكومة السورية او حلفائها
بالاضافة الى ذلك، كل من يؤمن عن علم سلعاً أو خدمات هامة مرتبطة بتشغيل الطائرات التي تستخدم لأغراض عسكرية في سوريا. ومنيقدم عن علم ،خدمات بناء أو هندسية مهمة لهم
بعد قراءة معمقة لهذا البند، يمكن القول ان عنصر العلم مهم جدّا لاعتبار الشخص الأجنبي متورطاً بمعاملات مع النظام السوري، أي ان نية المشاركة في انعاش الاقتصاد السوري تعتبر حجر الزاوية والعلة الاساسية لوضع الشخص الأجنبي تحت وطأة هذا القانون، وبالتالي فرضالعقوبات الاقتصادية عليه. وتأكيداً على ذلك عبارة “عن علم” المكررة في جميع فقرات المادة 102 من قانون قيصر
أما النتيجة المترتبة على من لا ينفذ العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون هو ادراج اسمه على اللائحة السوداء الدولية، مما يؤثر على علاقاته الدولية ويفقد ثقة الدول بالتعامل معه في مختلف النواحي الاقتصادية والتكنولوجيا والتجارية وغيرها
ب – في العقوبات الاقتصادية وتعليق تطبيقها
بحسب المادة 102 فقرة “ب”، إنّ العقوبات التي يتعين فرضها فيما يتعلق بشخص أجنبي هي حجب الملكية بحيث يمارس الرئيس الأميركي جميع صلاحياته لمنع وحظر جميع المعاملات في الممتلكات ومصالح الشخص الأجنبي إذا كانت موجودة في الولايات المتحدة، أو في حوزة شخص من الجنسية الأميركية
كذلك، الأجنبي الذي يعرفه وزير الخارجية أو وزير الأمن الداخلي، بأنه إشترك متعمداً في أي نشاط موصوف فهو غير مقبول للولايات المتحدة وغير مؤهل للحصول على تأشيرة أو وثائق أخرى لدخول الولايات المتحدة او غير مؤهل لقبوله أو إعادته إلى الولايات المتحدة أو الحصول على أي منفعة أخرى بموجب قانون الهجرة والجنسية. واذا أُعطيت تأشيره للشخص الأجنبي المتورط يجب على الموظف القنصلي ابطالها
وتتمثل هذه العقوبات أيضا بمقاطعة وحصار المنتجات وبضائع الدولة وحظر التعامل التجاري والاقتصادي معها. والسبب وراء هذه العقوبات، هو الاجرام والتعذيب والاعمال اللانسانية الحاصلة ضد المعتقلين من قبل النظام السوري، والتي تم التأكد منها من خلال الصورالتي وثّقها “قيصر” وافادته امام الكونغرس
وبحسب المادة 301 من “قانون قيصر” والتي تختص بتعليق العقوبات، فإنه يحق للرئيس الأميركي أن يعلّق جزئياً أو كلياً فرض العقوبات التي يتطلبها هذا القانون لفترات لا تتجاوز 180 يوماً إذا توافرت شروط عدة اهمّها، لم تعد الحكومة السورية أو حكومة الاتحاد الروسي يستخدمان المجال الجوي فوق سوريا لاستهداف السكان المدنيين فيها، ولم تعد قوات متورطة في استهداف متعمد للمرافق الطبية والمدارس والمناطق السكنية وأماكن التجمع المدني. كذلك، اذا اصبحت جميع المناطق السورية قادرة للحصول على المساعدات الدولية والوصول بانتظام إلى المساعدات الإنسانية، ومتمتعة بحرية السفر، والرعاية الطبية. اذا اطلقت الحكومة السورية سراح جميع السجناء السياسيين اللذين يتم احتجازهم قسراً، ومنح المنظمات الدولية لحقوق الإنسان حق الوصول إلى السجون في سوريا. إلزام الحكومة السورية بتنفيذ بنود اتفاقيات الأسلحة. أن تسمح الحكومة السورية بالعودة الآمنة والطوعية والكريمة للسوريين المتضررين. اخيرا، مساءلة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا بما فيهم الرئيس والعدالة لضحايا هذه الجرائم. بعد قراءة هذه الشروط نلاحظ وجود شعارات رنانة وعامة. فعلى الرغم من أن الهدف الأساسي من هذا القانون هو حماية المدنيين من العنف القائم ضدهم من قبل النظام، إلا أن معظم بنوده تتناول عقوبات اقتصادية ومالية تستهدف بشكل أساسي عملية إعادة إعمار سوريا. ان هذه الشروط ليست سهلة التطبيق لربما ان السبب في صعوبتها هو ابقاء الكلمة الفصل لواشنطن ورغبتها بمسك زمام الامور
ثانيا: تاثيراته على لبنان
إن تداعيات قانون قيصر ستتصاعد يوماً تلو الآخر ولن يظهر مفعوله بشكل سريع وواضح. علماً ان الوضع الإقتصادي في سوريا قد تدهور في السنوات الأخيرة، والليرة السورية فقدت قيمتها مقارنة مع العملة الصعبة. سنعرض فيما يلي تأثيراته على تعامل الحكومة اللبنانية مع الدولة السورية من جهة، ومن جهة اخرى على التفاوض مع صندوق النقد الدولي
أ- التعامل اللبناني – السوري
حيث انه وكما ذكرنا سابقاً ان هذا القانون سيفرض عقوبات اقتصادية على الدولة السورية والمتعاملين معها. فسوف نناقش فيما يليتعاملات الدولة اللبنانية مع الدولة السورية، فهل ستضع لبنان ضمن لائحة الاشخاص الاجانب الخاضعين للعقوبات المعينين بالمادة 102 منهذا القانون؟
ان الازمات الاقتصادية التي برزت في السنوات الاخيرة على الدولتين السورية واللبنانية، اظهرت مدى ارتباط اقتصاد هاتين الدولتين ببعضها البعض بطريقة مشروعة او غير مشروعة
ان الدولة اللبنانية تشتري الكهرباء من سوريا ولكن تبقى تلك الأموال داخل مصرف لبنان نظرا للاتفاق القائم بين الدولتين، بحيث تبيع سوريا لبنان فائض الكهرباء الذي تنتجه مقابل تسهيلات بآلية الدفع فتقوم وزارة المالية بتحويل ثمن الكهرباء إلى حساب في مصرف لبنان باسم كهرباء لبنان وخاص بالطاقة المشتراة من سوريا. بعد ذلك يقوم المصرف بتحويل المبلغ المرصود إلى المصرف التجاري السوري-فرع لبنان، الذي يقوم بدوره بتحويل المبلغ إلى مؤسسة كهرباء سوريا. ففي هذه الحالة لا تفرض العقوبات على لبنان اذ أن آلية الدفع المطروحة لم تكن تخالف العقوبات الأميركية
تجارة الترانزيت عبر سوريا ليس من المتوقع ان تعرّض لبنان لقائمة العقوبات نظراً لاعتبارها عمليات تجارية بسيطة ليس من شأنها انعاش الاقتصاد السوري
كذلك، لا عقوبات على فروع المصارف اللبنانية الموجودة على الاراضي السورية اذ ان ادارتها تعود الى الفرع الاول الموجود في لبنان ولا تساهم في بناء الاقتصاد السوري الا اذا كانت تعمل لصالح النظام الاسدي
امّا التهريب الحاصل على الحدود اللبنانية-السورية عبر المعابر غير الشرعية من مادة المازوت، والدولارات، فطبعاً سيعرّض لبنان للعقوبات الاقتصادية اذ ان المادة 102 تحظّر بيع المنتجات النفطية الى سوريا وتسهيل المعاملات المالية وانعاش الاقتصاد السوري. و نظراً الى موقع لبنان الجغرافي، فهو لا يمتلك إلّا معبر بري وحيد مع سوريا علماً أن الحدود البرية اللبنانية مع فلسطين المحتلة مقفلة وليس هناك اي تعامل إقتصادي او تجاري معها. لذلك تعتبر سوريا المتنفس الوحيد للتجارة البرية اللبنانية. ففي هذه الحالة يتوقع أن يتأثر لبنان بالحظر الإقتصادي المفروض على سوريا بموجب هذا القانون، ما يثير الخوف ايضا على الصناعة اللبنانية. اذ ان الإعتماد على التجارةالبحرية والجوية لن يستطيع بنظرنا الحلول مكان التجارة مع سوريا لعدة عوامل أهمها كلفتها المنخفضة مقارنةً مع غيرها
ب – التفاوض مع صندوق النقد الدولي
يمرّ لبنان بأزمة إقتصادية ومالية خانقة ازدادت وطأتها مع التحركات الشعبية وتفشّي مرض كورونا ففقدت العملة الوطنية قيمتها وجعلت الناس رهائن السوق السوداء. من المتوقع ان تنعدم الطبقة الوسطى في المجتمع اللبناني وتزداد طبقة الفقراء نظار لارتفاع الاسعار في الأسواق اللبنانية بشكل جنوني
لذلك، تحاول الحكومة اللبنانية جاهدة اليوم التفاوض مع وفود من قبل صندوق النقد الدولي للحصول على قروض مالية كي تنعش الاقتصاد الوطني ولتحريك العجلة الاقتصادية، على أمل أن تكون الشروط الموضوعة من قبل صندوق النقد مقبولة وقابلة للتطبيق من قبل لبنان. وذلك بالتوازي مع دخول قانون قيصر حيّز التنفيذ
انما بعض الحقائق قد تفقد لبنان هذه الفرصة، فقد تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية اكبر البلدان الاعضاء في صندوق النقد الدولي، حيث تبلغ حصتها الحالية اعتبارا من 25 كانون الثاني2016، 42.1 مليار وحدة حقوق سحب خاصة حوالي 58 مليار دولار. وفي الوقت عينه إنّ قانون قيصر وضع من قبل الكونغرس الاميركي، فمن المستبعد ان توافق اميركا على المساهمة في اعطاء قرض دولي لدولة لها علاقات مع سوريا ومتمسكة بمصالحها المشتركة. من هنا يمكن القول ان التوازن ما بين الحصول على قرض من الصندوق وبين الحفاظ على المصالح اللبنانية-السورية غير ممكن او شبه مستحيل. اذ يجب على الدولة اللبنانية ان تختار ما بين انعاش اقتصادها والحصول على قرض مالي ام اغراق اقتصاد البلد اكثر والخضوع للعقوبات الاقتصادية الاميركية
في النهاية، ان قانون قيصر لا يقتصر مفعوله على النظام السوري فقط، بل يتعداه الى جميع الدول التي لها علاقة مباشرة او غير مباشرة مع الدولة السورية، كذلك حلفاء النظام ومنهم ايران وروسيا. ورغم ان مدّة هذا القانون خمس سنوات، الا انه من المتوقع ان تمتدّ مفاعيله لعشرات من السنوات من اجل اعادة اعمار سوريا وعودة الكرامة الى السوريين التي سلبها منهم نظام الاسد. لا تزال الحكومة اللبنانية صامتة عن موضوع المفاوضات مع الصندوق وقانون قيصر. فالأمل الذي يولده الصندوق الدولي باعطاء لبنان قرض ينعش اقتصاده كاد ان يتبخر. وسيدخل لبنان بدوامة التجاذبات السياسية والمصالح الحزبية بدلا من ايجاد الحلول التي تنتشل لبنان من الواقع الاقتصادي والمعيشي المزري
فهل سيصل الاميركيون الى الهدف السامي الذي وضع من اجله هذا القانون، وبالتالي تأمين الحماية للمدنيين المتضررين من النزاع؟ وهل ستستطيع الدولة السورية تأمين العودة الكريمة والآمنة لمواطنيها؟ هل ان هذا القانون سيسرع باسقاط النظام “الاسدي”؟ هل ستصل الدولة السورية الى هدف التنمية المستدامة رقم 2 وسينهي بذلك الجوع قبل عام 2030؟ هل هذا القانون قد وضع لإضعاف النظام السوري عسكرياً وحماية المدنيين أم أنه سيضعف الإقتصاد ويسود التجويع والفقر في الجمهورية؟
اسئلة كثيرة تطرح، وليس للرأي العام الا الانتظار ومع الوقت سيتضح كل الغموض
المراجع
قانون قيصر سوريا للحماية المدنية لعام 2019
الموقع الالكتروني لصندوق النقد الدولي
قانون قيصر هل يسلم لبنان من شظايا عقوبات واشنطن؟
الفرزلي, إ. عرض سوري جديد: كهرباء أكثر وسعر أقل.
(1) Comments
bad credit loans not payday loans