بين الثورة والكورونا، الأجير هو الضحية


Lebanon Law Review | Jal El Dib

بين الثورة والكورونا، الأجير هو الضحية

الصرف التعسفي، الى متى؟

لقد شهدَت أعيننا أنَّ انتهاك حقوق المواطن كان السَّبب الرَّئيسيّ لنشوب الثَّورَة، فقد أودى هذا الإنتهاك إلى حالَة عجز في الوصول إلى أبسط المستحقّات، ودفعَ بالتّالي الى تزايد اهتمام النّاس في الإستفسار عن حقوقِها سعيا منهم للمطالَبَة بعيشٍ كريم ولائِق. إنَّ هذا الوضع على الرّغم من فظاعَة مفاعيله ازدادَ سوءاً مع نشوب فيروس كورونا، المعروف ب ” كوفيد 19″. صرف أجراء من أعمالهم، خفض الأجور تماشياً مع تدنّي دوامات العمل، التّعسّف في استعمال الحقوق من قبل أرباب العمل هي من أبرز المظاهر الَّتي للأسف نشهدها يوميّاً تبعأً للظروف القاسية التي تمر بها البلاد، وكأن أرباب العمل يعيشون في واقع غريب عن معاناة أب صالح هدفه فقط تأمين القوت لعائلته. يتمحور بحثنا هذا حول أهم الحقوق التي يتمتع بها المواطن في المسائل التّي يواجهها يوميا في عمله، وأبرزها الصرف التَّعسّفيّ

ارتفعت صرخَة أعداد هائلَة من الموظّفين نتيجَة الإجراءات المتّخذَة من عدد كبير منَ الشركات وأرباب العمل منذ بدء الإحتجاجات الشَّعبيَّة، سواء أكان عبرَ الصَّرف التَّعسّفي أو الحسم منَ الرَّواتب. حيث تلقَّت وزارَة العمل مئات الملفَّات، الَّتي أمست تتزايد أعدادها يوماً بعدَ يوم، لمؤسّسات تتقدَّم بها للموافقَة على إنهاء عقود موظَّفيها. لذا يتوجب علينا معرفَة ما هوَ الصّرف التَّعسّفي تجنّباً لهدر الحقوق، وبغية رفع مستوى التوعيَةً في هذا المجال. باختصار، ودونَ أي تعقيد يعتبر الصّرف تعسّفيّاً، إذا كان غير مبنيّ على سبب مقبول، كأن يكون سلوك العامل وتدبيره كفيّا ولا يستدعي الصّرف

نلجأ إلى الفقرَة “د” منَ المادّة 50 من قانون العَمَل تطرّقاً للمزيد من التَّوضيح و الشَّفافيَّة، إذ حدّدت بصورَة دقيقَة الحالات الَّتي يعتبَر فيها الصّرف من قبيل الإساءة أو التّجاوز في استعمال الحق وهذه الحالات هيَ الآتيَة

اولاً لسبب غير مقبول أو لا يرتبط بأهليَّة العامل أو تصرّفه داخل المؤسّسة أو بحسن إدارَة المؤسّسَة والعمَل فيها، لانتساب العامل أو عدم انتسابه لنقابَة مهنيّة معيَّنة أو قيامه بنشاط نقابي مشروع في حدود القوانين والأنظمَة المرعيَّة الإجراء أو اتّفاق عمَل جماعيّ أو خاصّ

ثانياً لتقدّمه لانتخابات أو لانتخابه عضواً في مكتب نقابَة أو لمهمَّة ممثّل للعمّال في المؤسّسة وذلك طوال مدّة قيامه بهذه المهمَّة

ثالثاً لتقديمه بحسن نيَّة شكوى إلى إلى الدّوائر المختصَّة تتعلَّق بأحكام تطبيق قانون العَمَل والنّصوص الصاّدرَة بمقتضاه، كما وإقامته دعوى على صاحب العمَل تبعأً لذلك

رابعاً لممارسته حرّيَّاته الشَّخصيَّة أو العامَّة ضمنَ نطاق القوانين المرعيَّة الإجراء

View this post on Instagram

Pictures from today.

A post shared by The Lawyard (@thelawyard) on

ففي تلكَ الحالَة وإن تمَّ صرفَك تعسّفيّاً ما هي الإجراءات الَّتي ينبغي عليكَ كإنسانٍ واعٍ اتّخاذها؟

طبعاً، على الأجير الّذي تمَّ ظلمَه وصرفه  من عمله دون وجه حق، وانطلاقاً من مبدأ الحقّ لا يستوفى باليدّ، أن لا يتعرَّض لصاحب العمل أو لمديره بأي شكل من الأشكال بل من المستحسن مراجعة محامٍ دونَ تأخير تفادياً لنشوب أي نزاعٍ آخر، لإرشاده إلى تقديم مراجعة قانونيَّة أمام مجلس العمل التَّحكيميّ للمطالبة بدفع التّعويضات المناسبة للأجير، وأهمّها التّعويض عن عدم الالتزام بمهلة الإنذاروالتّعويض عن الصّرف التّعسّفيّ والتّعويض عن ساعات العمل غير المدفوعَة والتّعويض عن بدل الإجازات السَّنويَّة الّتي لم يستفيد منها الأجير، إن وجدت، وسواها من الحقوق المتوجّبة

يجب التنبه إلى أنَّه تبعاً لتلك الإجراءات، على مجلس العمل التّحكيمي بموجب القانون، أن يبتّ بالدّعوى بمهلة لا تزيد عن ثلاثة أشهر وحسب. إلاّ أن هذه الدّعوى قد تستغرق أعواماً عدّة عمليّاً وهذا أمر مؤسف. ويمكنك كأجير إذا كان الحكم لمصلحتك أن تطلب تنفيذه جبراً عن طريق إلقاء الحجز التّنفيذيّ على أموال صاحب عملك المنقولَة وغير المنقولَة وبيعها بالمزاد العلنيّ وطلب حبسه إذا تمنّع عن تنفيذ الحكم رغم إبلاغه إنذاراً بواسطة دائرة التَّنفيذ. ويجدر التطرّق إلى أنَّ عبء إثبات الصّرف التَّعسّفي يقع على عاتق الأجير. فقد نصّت المادَّة نفسها من قانون العمَل حرفيّأً على أنَّ من يتذرَّع بأنَّ الفسخ حصل نتيجَةً لإساءة إستعمال الحق أو لتجاوزه أن يقيم الدّعوى بذلك… وله أن يثبّت صحَّة ادّعائه بجميع طرق الإثبات. وبمراجعة سريعة لقواعد الإثبات الواردة في المواد 131 وما يليها من قانون أصول المحاكمات المدنيَّة، والواجبَة التَّطبيق في جميع الدّعاوى، يقع عبء الإثبات على من يدّعي الواقعَة أو العمَل، وانَّ ما ورد في المادَّة 50 من قانون العمَل وضع لمصلحَة الأجير. استنتاجا، يكون عبء إثبات عدم حصول صرف الأجير بصورَة تعسّفيَّة  يقع على عاتق ربِّ العمَل

في حال تعرَّضت لصرفٍ تعسّفي يجب أن تعلَم أنَّه من أقل حقوقَك الاستحصال على تعويض. أمّا بالنسبَة لاحتساب هذا التعويض، فيجب التّمييز بينَ حالتين

اولاً إذا كانَ الفسخ صادِراً من قبل صاحب العَمَل يقدَّر التَّعويض على أساس نوع عمَل العامل وسنِّه، ومدّة خدمته ووضعه العائليّ والصّحّي ومقدار الضّرر، ومدى الإساءَة في استعمال الحقّ، على أن لا ينقص التَّعويض الَّذي يحكم به عن بدل أجرَة شهرين وأن لا يزيد عن بدل أجرَة اثني عشَرَة شهراً، وذلك إضافة ً إلى ما يستحقّه العامل من تعويضات قانونيَة نتيجَةً لفصله منَ الخدمَة. ولكن يجب مراعاة صفَة الأجير التَّمثيليَّة، فإذا لم يوافق مجلس العَمَل التَّحكيميّ على صرف الأجير، يقتضي إلزام صاحب العَمَل أن يعيد العامِل إلى عَمَله تحتَ طائِلَة تضمينه، علاوَةً على ما يستحقّه العامِل من تعويضاتٍ قانونيَّة، مبلغاً إضافيًّ يتراوَح بينَ بدَل أربعَة أشهر كحدٍّ أدنى وستّة وثلاثونَ شهراً كحدٍّ أقصى

كما إذا كانَ الفسخ صادراً من قبَل العامِل لغير الأسباب الّتي يجيزها القانون، وتبيَّن أنَّه سبَّب ضرراً أو إحراجاً لصاحب العَمَل، يقدَّر تعويض العطل والضَّرر بما يعادل اجرَة شهر حتّى أربعَة أشهر، بالإضافَة إلى تعويض الإنذار المنصوص عليه في الفقرَة ج منَ المادّة

منَ الأمثلة العمليَّة سارَة ابنة 32 عاماًّ، والتي تعتبر نموزجا مصغرا عن مئات أو حتّى آلاف العاملين في لبنان الَّذي اقطتع من رواتبهم بطريقَة غير قانونيَّة ومخالفَة لعقود العمل الَّتي وقَعوها. حيث أشارت أثناء تواصلها مع “الشّرق الأوسط” أنّه طلب منها التَّوقيع على ورقَة تتضمن موافقتها بقبض نصف راتبها وتخفيض ساعات العمَل إلى النصف، بحيث بات جميع الموظَّفين في المؤسَّسة يعملون في دوامٍ جزئيّ. وقد أشارَت سارَة بأنَّ القرار، حسب ما وردَ في الوَرَقة، يشمل أيضاً الشَّهرين الحالي والمقبل، قائلَةً :” هذا القرار كانَ صادماً بالنسبَة لكلّ العاملين، بينهم من لديه عائلَة وأطفال وأقساط مدرَسيَّة، وآخرون عليهم تسديد قروض حصلوا عليها، لكن لم يكن لنا إلاّ القبول بهذا القرار غياباً لأي خيارٍ آخر.” وهذا مثل عن إساءَة إستعمال الحقّ الّذي يمرّ به عدداً هائلاً منَ العماّل في لبنان

Lebanon Law Review | Lebanon COVID19
Corona virus statistics at 08:23 on Monday 13 April 2020. Source: GOOGLE

من ناحية أخرى، يقتضي الإشارة إلى إمكانيّة ربّ العمل بصرف الأجراء لأسبابٍ اقتصاديَّة، وفي هذه الحالَة لا نكون أمام صرفٍ تعسّفي. تلكَ الأسباب واردَة أيضاً في صدد المادَّة 50 من قانون العَمَل. باختصار لربّ العمَل الحقّ بصرف عدداً معيّناً منَ الأجراء لديه شرط إبلاغ وزارَة العمَل قبل انقضاء شهر على الأقلّ من تاريخ إنهاء العقود. ولكن الأمر لا يتم بتلكَ السهولَة وبمجرَّد ورود الطَّلبات منَ الجهات المعنيَّة. بل من واجب تلكَ الوزارَة الطَّلَب من ربِّ العمَل أيَة مستندات أو وثائق جدّيَّة تبيّن حالته الإقتصاديّة الصّعبَة قبلَ بتّها في الطّلب. من تلكَ المستندات مثلاً الميزانيَة الماليَّة لعددٍ معيَّن منَ السَّنوات، ويجري تبعاً لذلكَ حوارٍ وأخذٍ ورد فيما بينَ ربِّ العَمل والوزارَة حولَ الأجراء مراعاةً لأقدميَّة كلّ واحدٍ منهم وأعمارهم ووضعهم الإقتصاديّ… وبصورةٍ شبيهَة بالصّرف التَّعسّفي، من حقّ الأجير الّذي تمَّ صرفَه أن يحظى على تعويض تقوم بتحديده وزارَة العَمَل و يكون ذات صفَة إلزاميَّة ما يمنع الأجير فيما بعد من اللّجوء إلى مجلس العَمَل التَّحكيمي للمطالّبَة بتعويضاتٍ إضافيَة في حال كانَت غير كافِيَة. ولكن نظراً إلى النّاحيَة الإيجابيَّة من تلكَ الإجراءات، تنصّ المادّة 50 في فقرتِها ز إلى تمتّع الأجراء المصروفين بحقّ الأفضليَّة بالعودَة إلى العمَل الَّذي صرفوا منه، على أنَّ ذلكَ لا يسري إلاّ خلال فترَة سنَة كحدٍّ أقصى من تاريخ انتهاء عقودهم

ومع تمديد حالَة التَّعبئَة العامَّة الَّتي نشهدها حاليَّا في لبنان وبعدَ تفاقم الأزمَة المعيشيَّة خاصَّةً لذوي الدّخل المحدود وللعاملين في الإقتصاد غير المنظَّم من مزارعين وسائقين وغيرهم من الفقراء، جدّد الإتّحاد الوطني في بيانٍ له، مطالبته وزارَة العمَل ” برفع الصّوت في مجلس الوزراء من أجل حمايَة حقوق العمّال و العمَل، وإصدار المراسيم والتّشريعات لتغطيَة فترَة التعبئَة العامَّة كما حصَلَ خلال فترَة الحرب الأهليَة. لذا، أعرف أيّها المواطن حقوقك، واسأل نفسك، إلى متى ستسمح بالإستهتار بها؟


Joanna Aizarani
Joanna Aizarani

Lebanese University – DSP2

“At his best, Man is the noblest of all animals, separated from law and justice he is the worst,” – Aristotle.

This summons why I love law, especially constitutional law.

Author: Joanna Aizarani

At his best, Man is the noblest of all animals, separated from law and justice he is the worst _ Aristotle This summons why i love law - main interest is constitutional law

Leave a Comment