ممارسة الاختصاص القضائي للدّولة الساحليّة إزاء منشآت البترول البحريّة: المنظور الدّولي


Oil Rig Lebanon Law Review

مقدّمة

تُعد مسألة الاختصاص القضائي(1) للدّولة الساحليّة المتعلّق بالبناء والتحكّم بمنشآت البترول البحريّة إضافةً للجرائم المُرتكبة من قبل الطاقم الموجود على متنها ضمن مناطق بحريّة مختلفة مسألةً مهمّة لدى القانون الدّولي، إذ قد يُثار التساؤل حول سلطة الاختصاص إزاء منشآت البترول وأنشطة طاقمها خارج المياه الداخليّة وبحرها الإقليمي.(2) تبعًا لذلك، عادةً ما يكون هناك عدد من العاملين على متن المنصّة البحريّة قد يتورّطون في جرائم مختلفة كالسرقة أو الاعتداء أو حتّى القتل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدّي بعض الأنشطة، مثل أعمال التصميم  والهندسة، إلى خسارة الممتلكات وكذلك الإصابة الشخصيّة ووفاة العاملين على متنها. لهذا، يمكن أن تكون مسألة ماهيّة القانون المدني والجزائي المُطبّق فوق المنشأة، في بعض الحالات، مسألة نزاع دّولي خاصّة عندما تكون ممارسة الدّولة الساحليّة لاختصاصها القضائي فوق منشآت البترول البحريّة المتحرّكة العاملة في المنطقة الاقتصاديّة الخالصة وفوق الجرف القارّي(3) غير واضحة.(4) غالبًا ما تدّعي الدّولة الساحليّة تأكيد ولايتها القضائيّة فوق المنشأة الأجنبيّة في مناطق بحريّة محدّدة. كما تحاول هذه الدّولة تنظيم أنشطة مُعيّنة للمنشأة البحريّة ضمن نطاق تلك المناطق من خلال فرض رسومٍ على المنشآت/السفنِ الأجنبيّة، بالتالي مُغازلة مفهوم الاختصاص القضائي. على مرّ السنين، مُنحت الدولة الساحليّة مزيدًا من السلطة على مساحةٍ أوسع وأوسع فوق المياه الاقليميّة. فمنذ عام 1982، أوجد للبحر دستورٌ لا ينظّم حقوق وواجبات الدولة الساحليّة فحسب، إنّما ينظّم أيضًا أنشطة السفن المُبحرة في المناطق البحريّة المختلفة.(5) فإذا أنشأت دولة ما، أو سمحت بإنشاء منشأة نفطيّة أو جزيرة اصطناعيّة خارج بحرها الإقليمي، قد تُثار مسألة من لهُ الولاية القضائيّة على الأنشطة والأشخاص العاملين على متنها. علاوةً على ذلك، ستؤثّر الطبيعة الماديّة لمنشأة البترول البحريّة (متحرّكة أو ثابتة) وموقعها التشغيلي بشكلٍ جذري على مسألة الاختصاص بين الدّولة الساحليّة ودولة العَلَم.(6)

بالمقابل، من الواضح أنَّ نوعًا من السيادة الإقليميّة فوق أعالي البحار غير متاح، إذ يتّضح هذا الأمر من خلال المادة 89 من اتفاقيّة قانون البحار التي تنص على أنّه “لا يجوز لأيّة دولة شرعًا أن تدّعي إخضاع أي جزء من أعالي البحار لسيادتها”. بالتالي، لن يكون للدولة المُنشئة نفس الولاية القضائيّة الكاملة فيما يتعلّق بجميع المسائل القانونيّة المرتبطة بمنشآت البترول البحريّة الخاصّة بها فوق أعالي البحار كما لديها على منشآتها داخل مياهها الداخليّة أو بحرها الاقليمي، إلّا على سبيل القياس مع الاختصاص القضائي فوق السفن

بالتالي، تمنح اتفاقيّة الأمم المتّحدة لقانون البحار (UNCLOS) للدولة الساحليّة حقوقًا سياديّة بدرجاتٍ متفاوتة فوق مناطق المياه الإقليميّة المختلفة. هذه المناطق هي: 1- المياه الداخليّة؛ 2- البحر الإقليمي؛ 3- المنطقة المتاخمة;(7) 4- المنطقة الاقتصاديّة الخالصة؛ 5- أعالي البحار (أنظر المخطّط أدناه). كما تُمنح الدّولة الساحليّة ولاية قضائيّة أكثر أو أقل فوق المنصّات البحريّة حسب مكان وجود هذه المنصّة ووضعها التشغيلي. تجدر الإشارة هنا إلى أنّ الدّولة الساحليّة تتمتّع بسيادة إقليميّة كاملة فوق مياهها الداخليّة وبحرها الإقليمي مع بعض الامتيازات.(8)

Fig 1. UNCLOS zone scheme

تأسيسًا على ما تقدّم، تتمثّل أهداف البحث موضوع الدراسة في تسليط الضوء على مسألة الاختصاص القضائي للدّولة الساحلية من الناحية الجزائيّة والمدنيّة، وفقًا للممارسات الدوليّة، حيث تستوضح مدى السلطة الممنوحة لتلك الدّولة ضمن المناطق البحريّة المختلفة، أي السلطات التشريعيّة والقضائيّة. وقد ارتأى الباحث الاقتصار على التشريعات الدّوليّة نظرًا لما تشكّله هذه النقطة من غموضٍ قانونيّ في المفهوم الدّولي، كما سيقتصر البحث على منطقتيّ البحر الإقليمي والمنطقة الاقتصاديّة الخالصة دون سواهما لما تُعطي هاتين المنطقتين من أهميّة لممارسات الأنشطة البتروليّة البحريّة. تكمن أهميّة هذه الدراسة عمليًّا في تحليل النصوص المختلفة للأسس القانونيّة المُتّبعة في تحديد الاختصاص القضائي للدولة الساحليّة بموجب أحكام الممارسات الدوليّة، وذلك عبر تسليط الضوء على أهم الاتفاقيّات والقضايا الدوليّة ذات الصلة

على ضوء تنفيذ الأنشطة البتروليّة البحريّة بواسطة المنشآت المتحرّكة,(9) وتموضعها في بلوك بحري محدّد من أجل الوصول لنقطة الحفر/الانتاج، وعبر تحديد الوضع القانوني لتلك المنشآت البتروليّة المتحرّكة، تستطيع الدّولة الساحليّة تحديد ما إذا كان اختصاصها القضائي شاملٌ تلك المنشأة أم أنّها تُعتبر خاضعة لاختصاص قضائي دّولي آخر (دولة العَلَم)، وذلك لتجنّب تنازع الاختصاصات القضائيّة للدول وتعقيد الأمور من ناحية تحمّل المسؤوليّات القانونيّة عن التلوّث المحتمل ولضمان التشغيل الآمن لتلك المنشآت. من هذا المنطلق، تُطرح إشكاليّة هذه الدراسة حول آليّة تعامل أحكام الممارسات الدوليّة في تحديد الاختصاص القضائي للدّولة الساحليّة على ضوء تموضع المنشأة البتروليّة فوق منطقتيْ البحر الإقليمي والمنطقة الاقتصاديّة الخالصة

بناءً على ما تقدّم، سترتكز دراستنا على تحليل الاختصاص الجزائي للدولة الساحليّة فوق منشآت البترول البحريّة (1)، كما وتحليل الاختصاص المدني للدّولة الساحليّة فوق منشآت البترول البحريّة (2)، علاوة على تحليل الاختصاص المتعلّق بالمسائل الجمركيّة، الماليّة والهجرة إزاء تلك المنشآت (3)

تابع القراءة

حمّل هذا المقال لمتابعة القراءة


Mostapha al-Masry
Mostapha al-Masry

PhD candidate in Petroleum Contracting with a Master’s Degree in Business Law from the Lebanese University.
Legal Consultant and Researcher specializing in Lebanese Oil and Gas law.