النية الجرمية في قانون العقوبات اللبناني


النية الجرمية في قانون العقوبات اللبناني

جاء قانون العقوبات لكي يؤمن الحماية القانونية للأفراد ومصالحهم، وذلك عن طريق تكريسه لنصوص جزائية وعقابية من شأنها أن تردع أي فعل يجرمه القانون وفقاً لمبدأ بالغ الأهمية، ألا وهو “مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات” بحيث لا جريمة ولا عقوبة إلاّ بمقتضى نصّ تشريعي

وتتجلى أهمية ذلك القانون تبعاً لتطوّر المجتمع، إذ أنه مرّ بعدة مراحل مختلفة أدت إلى ما هو عليه الآن، فلم يعد ينظر لذلك القانون بشكلٍ يجعل منه رادعاً للمجرمين وحسب، بل أصبح يلعب دوراً بارزاً يتمثل بشكلٍ وقائي وإصلاحي

فتطوّر أساليب الحياة الإجتماعية وطرق إرتكاب الجرائم تستتبع فرض حماية جزائية لما لها من خطورة على أمن المجتمع واستقراره

مفهوم النية الجرمية في قانون العقوبات اللبناني

عرّف المشرّع اللبناني وبالاستناد إلى المادة 188 عقوبات النية الجرمية بأنها “إرادة إرتكاب الجريمة على ما عرّفها القانون”.وهي تتجلى بالقصد الجرمي لدى الفاعل، إذ تكون إرادته متجهة وبصورة جليّة لإقتراف الفعل الجرمي مدركاً النتائج المتوخاة من جرّاء فعله. وقد جاءت محكمة الجنايات بقرارها رقم 610 تاريخ 2016/07/14 مستندة إلى نصّ المادة 189 عقوبات لتقول أن النية الجرمية هي إرادة إرتكاب الجريمة وبالتالي تعتبر جريمة القتل مقصودة وإن تجاوزت النية الجرمية الناشئة عن الفعل أو عدمه قصد الفاعل إذا كان متوقعاً حصولها وقبل بالمخاطرة

أهمية التمييز بالنسبة للنية الجرمية

إذ بحسب المادة 210 عقوبات يستنتج شرطين لإسناد المسؤولية الجزائية إلى الشخص وهي أن يكون الفاعل قد أقدم على فعله عن وعي وإرادة، أي أن يكون الشخص متمتعاً بالوعي والإدراك اللذين يجعلان منه أهلاً للمسؤولية الجزائية. فيجب أن يكون الشخص مدركاً لطبيعة فعله غير الشرعي والآثار الناتجة عنه، إضافة إلى فهمه ما قد يلحق به من جرّاء ما فعل، بحيث تكون المسؤولية الجزائية قد حققت غايتها. والمقصود بالإرادة أن تكون متجهة نحو إرتكاب النشاط الجرمي أي أن يكون لدى الشخص نية جرمية لإقتراف جرم معيّن

وكلا الشرطان يردان تحت ما يسمى بالعنصر المعنوي للجريمة

العناصر المكونة للنية الجرمية

بنى المشرّع اللبناني النية الجرمية على عنصرين رئيسيين هما العلم والإرادة. والمقصود بعنصر العلم أن يكون الجاني على علم بحقيقة الواقعة الجرمية التي تتجه إرادته نحو تحقيقها. وخير مثالٍ على ذلك، علم السارق أن المال المسروق ملك للغير. أمّا عنصر الإرادة، فيكون باتجاه إرادة الفاعل إلى الفعل الجرمي إضافة إلى النتيجة الناجمة عنه. فهي تتجسد بنشاط نفسي لدى الفاعل، فالإرادة قائمة على الغرض أو الهدف الذي ينوي الجاني تحقيقه. وبالتالي، إذا اتجهت الإرادة للفعل فقط دون النتيجة، انتفت النية الجرمية

صور النية الجرمية

من الجدير بالذكر، أن النية الجرمية أو القصد الجرمي يكون بعدة صور أو عدة أنواع أبرزها: القصد المباشر والقصد الإحتمالي، القصد العام والقصد الخاص، والقصد الفوري والقصد العمدي

سنتناول القصد المباشر والقصد الإحتمالي نظراً لأهميته، فالقصد المباشر متمثل بتوقع الجاني النتيجة المتحققة كأثر مؤكد لسلوكه ومع ذلك رغب بحصولها. أمّا القصد الإحتمالي، فيكون في كل مرة يتوقع فيها الجاني نتيجة سلوكه الجرمي وعلى الرغم من ذلك يقبل بحدوثها ولا يتراجع عن هذا الفعل

متى نكون أمام إنتفاء للنية الجرمية؟

بالطبع هناك حالات بمجرد قيامها بصورة واضحة خالية من أي إلتباس تستتبع إنتفاء القصد الجرمي أو النية الجرمية. ففي حال وقوع الإنسان في الغلط المادي، لا يُسأل عن جريمة غير مقصودة كونه لم يصدر عنه أي خطأ. فنكون أمام حالة الغلط المادي النافي للنية الجرمية. إلاّ أنه لا نكون أمام إنتفاء للنية الجرمية إذا وقع الغلط على واقعة غير جوهرية، كون القصد يبقى متوافراً والنية الجرمية قائمة

إذا وقعت الجريمة على غير الشخص المقصود بها عوقب الفاعل كما لو اقترف الفعل بحق من كان يقصد

المادة 208 عقوبات

خلاصة

النية الجرمية تستوجب توافر عنصري العلم والإرادة، شرط أن يكون الشخص مميزاً أي متمتعاً بالوعي والإدراك الكافيين لكي يمكن اعتباره مسؤولاً جزائياً عن ما قد يقدم عليه من أفعال خارجة عن القانون


Eva Zouheiry
Eva Zouheiry

DSP1

Civil, Constitutional, and International Law.


المراجع

قانون العقوبات اللبناني 1943 و تعديلاته

 د. وسام غيّاض, الوجيز في الشريعة الجزائية والجريمة

 د. وسام غيّاض, الوجيز في المسؤولية الجزائية والعقاب

 محكمة الجنايات – بيروت – قرار رقم 610 تاريخ 2016/07/14

Leave a Comment