تعود مشكلة الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي إلى توقيع لبنان سنة 2007 إتفاقية مع قبرص حول تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، وذلك بهدف توطيد علاقات حسن الجوار والتعاون في ما بينهما لاستثمار الثروات النفطية. وتمّ تحديد المنطقة الخالصة بين لبنان وقبرص على أساس خط الوسط. ولكن الدولة اللبنانية لم تبرم الاتفاقية مع قبرص التي وقّعت اتفاقية أخرى مع العدو الإسرائيلي سنة 2010 لتعيين الحدود بينهم، أدى ذلك إلى خسارة مساحة من المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية تزيد على 860 كلم2 تحتوي كميات كبيرة من النفط والغاز. عملت الولايات المتحدة الأميركية كوسيط في جميع المحاولات السابقة للمفاوضات. المحاولة الأولى كانت مع فريدريك هوف، الوسيط الأول الذي بدأ في أيار 2012، عندما انطلقت محاولات المحادثات لأول مرة، حيث كان قد ابتكر ما يعرف باسم “خط هوف” كحل وسط مقترح: الاقتراح الذي قدمه هوف كان من شأنه أن يمنح لبنان حوالي 500 كيلومتر مربع من المنطقة المتنازع عليها، وهو خط دعمه العدوالإسرائيلي ورفضه لبنان. في مرحلة لاحقة، عرض المبعوث الأميركي آموس هوكستاين تسوية النزاع من خلال تطوير “خط هوف”، بما يسمح لشركات الطاقة باستثمار 360 كلم2، وتأسيس صندوق خاص لعائدات النفط والغاز في هذه الرقعة، تتفاوض بشأنه لاحقًا كل من بيروت وتل أبيب على توزيع عائداته، وهو ما قوبل مجددًا برفض لبناني. وبحلول بداية 2019، وبعد جولات عدة قام بها المبعوث الثالث ديفيد ساترفيلد، أمور لا تصب في مصلحة لبنان لاحت في الأفق
انطلقت المحادثات الغير مباشرة في الشهر الماضي في مقرّ اليونيفيل في الناقورة بين لبنان والعدو الاسرائيلي تحت علم الأمم المتحدة برعاية أمريكية، و تُعرف “بإتفاق الاطار”. بدأت هذه المحادثات مستندة إلى قانون البحار للعام 1982 والذي انضم اليه لبنان في العام 1994 كمرتكز أساسي للإنطلاق في عملية التفاوض على ترسيم الحدود البحرية, حسب المادة 15 من قانون البحار التي تنص بصراحة على تعيين حدود البحر الإقليمي بين دولتين ذات سواحل متقابلة أو متلاصقة، وحسب المادة 74 التي تنص على تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين الدول ذات السواحل المتلاصقة
السند القانوني لترسيم الحدود
للبنان خرائط ومستندات تثبت حقوقه في الحدود البرية والبحرية. أولًا إتفاقية “بولييه نيوكومب” وهي أفضت إلى أول ترسيم حدود معترف به دوليًا بين الدولتين. إتفاقية “بولييه نيوكومب” عبارة عن مجموعة إتفاقيات الموقعة عام 1920 بين كلّ من الحكومة البريطانية والفرنسية على موقف وطبيعة الحدود بين الانتداب البريطاني على فلسطين والإنتداب الفرنسي على لبنان وهي تتضمن 38 نقطة حدودية بين رأس الناقورة والمطلة
ثانيا، اتفاقية الهدنة العام 1949 أي بعد نكبة فلسطين، التي أكدّت إحترام الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين المحتلة. يُعدّ إتفاقية الهدنة الترسيم الثاني للحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، نفّذته لجنة الهدنة المشتركة برئاسة الأمم المتّحدة، وكانت تضمّ أعضاء لبنانيين وإسرائيليين. ثالثا، القرار رقم 425 الصادر عن مجلس الأمن في آذار 1978، ينص البند الأول من القرار: يدعو إلى إحترام سلامة لبنان الإقليمية وسيادته وإستقلاله السياسي داخل حدوده المعترف بها دوليا
أما بالنسبة للخط الأزرق الذي تحدّد أممياً بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في العام 2000، فهو هو خط عسكري أمني وليس قاعدة قانونية لتحديد الحدود. فالحدود بين الجانبين محددة بوضوح في اتفاق الهدنة لعام 1949، الذي يؤكّد أنّ الحدود بين الجانبين هي الحدود المعترف بها دولياً، أي الحدود التي رُسمت بين لبنان وفلسطين عام 1923 في إتفاقية بولييه نيوكومب
ماذا بعد ترسيم الحدود
في حال إنجاز الاتفاق وبحسب الخبراء تبدأ مرحلة التنقيب والإستخراج لدى الطرفين ليبدأ صراع التسويق والمناطق المشتركة وكيفية الاستفادة منها بشكل عادل للطرفين، على سبيل المثال حقل “كاريش” الإسرائيلي وهو يبعد 7 كم عن البلوك رقم 9، أي يجب تقاسم المخازن المشتركة بطريقة عادلة. أما مرحلة الإنتاج فسوف تستمرّ لمدة 25 سنة، وستشمل أنشطة تطوير حقول النفط والغاز و بناء المنشآت والإنتاج وسيتم تحصيل عائدات البترول من قبل الدولة منذ بداية مرحلة الإنتاج. لكن هذا لا يعني أن الدولة لن تستفيد خلال مرحلة الإستكشاف وذلك لأن خلال مرحلة الإستخراج والإنتاج سيشهد لبنان إرتفاع مستوى الإستثمار في البلاد، مما يؤمن السيولة ويخلق فرص عمل
لحوكمة قطاع النفط في إطار الحكم الرشيد يجب على الدولة إنشاء صندوق السيادة وهي صناديق مملوكة من الدول وتحتوي على فوائد تستخدمها الحكومات بشكل متزايد لحيازة أصول سيادية مثل الاراضي والأسهم والسندات. هي في خدمة أهداف إقتصادية عامة، تستخدم هذه الصناديق إستراتيجيات إستثمارية متعددة من اجل تحقيق عائد مالي ومن ضمنها حيازة موجودات خارجية فمنشأ أصول هذه الصناديق فائض ميزان المدفوعات. تقتضي ترتيبات الحوكمة السليمة للصناديق
أ- وجود مجلس ادارة مستقل
ب- موظفين محترفين
ج – تقارير تتميز بالشفافية
د – وظائف تدقيق مستقلة
من اجل تصميم الصندوق السيادي للبنان يجب ان ننظر الى تجارب البلدان المختلفة في اطار يتماشى مع الاطار الاقتصادي للبلاد ردًّا على التحديات المالية والمؤسساتية التي تواجهها البلاد. لإنشاء هذا الصندوق يجب التحضير لخطة وسياسة مالية ملائمة تشمل أدوات رقابة صارمة للإشراف على سحب الأموال وإدارة السيولة المطلوبة. تجدر الإشارة أن الدولة تستخدم بعض عائداته لسداد الديون. أخيرًا يجب على الدولة في تصميم الصندوق السيادي
أ- إعتماد بعض المرونة في القواعد التشغيلية
ب- دمج الصندوق في نظام الموازنة العامة
ج- عدم رصد عائدات لأبواب إنفاق معينة أو مع رصد محدود لكن من دون إنفاق من خارج الموازنة
د- تطبيق مبادئ الشفافية والمساءلة
بعد إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط وهو منتدى جديد للدول في الشرق الأوسط الذي تمّ إعلانه من القاهرة عام 2019 و يضم 7 دول مصر، الأردن، إسرائيل، اليونان، قبرص، إيطاليا وفلسطين فيما بينهم خطوط غاز واتفاقيات. لبنان غير مشارك فيه بسبب عضوية العدو الإسرائيلي، إذًا يجب علينا ان نطرح السؤال: هل سيعيش لبنان عزلة جيواستراتيجية لناحية الغاز والنفط بعد إنتهاء ترسيم الحدود؟
المراجع
“خط هوف”.. أسباب فشل لبنان وإسرائيل بترسيم الحدود البحرية”، موقع صحيفة الاستقلال.(17/12/2019).
المقدم سعد الدين الحاج. “نفط لبنان وإشكالية ترسيم حدوده البحرية”،موقع مجلة الجيش. 362-362. (أيلول 2015).
شيماء الزناني.” بنود اتفاقية بوليه نيوكومب”، موقع المرسال. (26 ابريل 2020).
“إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار المؤتمر الثالث لقانون البحار”، موقع جريدة الميزان. العدد8. (7/9/2003)، الصفحة 454.
إيفا أبي حيدر. “لبنان “يعزل” نفسه: الثروة الغازية مهددة”، موقع جريدة الجمهورية . (الجمعة 25 أيلول 2020).
نبيل هيثم. “المعركة المفصلية: صدّ “الاحتلال” “، موقع جريدة الجمهورية . (الأربعاء 14 تشرين الأول 2020).
د. رودريك أبي خليل, محاضرات في: السياسات البترولية.2017 ,
“قرار مجلس الأمن رقم 425″، موقع شبكة الجزيرة الإعلامية، (الثلاثاء 25 تموز 2006).
“إتفاقية هدنة لبنان وإسرائيل عام 1949″، موقع شبكة الجزيرة الإعلامية، (الثلاثاء 17 أيار 2011).