الجيوبوليتيك والجغرافيا السياسية : وجهان لعملة واحدة


رافق التطور العلمي و المعرفي لحقل العلاقات الدولية بروز العديد من العلوم و الأطر المعرفية المفّسرة للأحداث الدولية سواءً في شكلها التنازعي أو التعاوني، والمعروف أنَّ لكل ظاهرة سياسية في الطبيعة قانون يفّسرها ،ومهمّة الباحث هو البحث عن هذا القانون، انطلاقاً من هذا، ساهم بعض مفكري وباحثي القرن التاسع عشر، في ميلاد علم جديد في حقل العلاقات الدولية ساهم في تفسير الأوضاع الدولية وفق قانون “الأرض” أو “الجغرافيا” سواءً من الناحية النظرية أو التطبيقية بمساهمته في رسم و صياغة التوجهات  الخارجية للدول ألا و هو علم الجيوبوليتيك

 إبستيمولوجيا علم الجيوبوليتيك أو الجيوسياسية

قبل التطرق إلى مفهوم علم الجيوسياسية أو الجيوبوليتيك لابد علينا أولاً التفريق بين مصطلح الإبستيمولوجيا ومصطلح الإيتيمولوجيا اللذان يساعدانا في دراسة المفهوم، فالإبستيمولوجيا هي: علم العلم أي أخد شيء علمي و دراسته بطريقة علمية أما الإيتيمولوجيا فتعني البحث في أصل المفهوم

فمن الناحية الإيتيمولوجية ترتبط  كلمة جيوبوليتيكا باليونانيين القدامى حيث تشير كلمة “جيا” إلى آلهة الأرض و”بوليس” الى دولة المدينة، وعليه “جيوبوليس” عند اليونانيين تعني “إستكشاف للأشكال الأرضية للمجال و الأرض و مراقبتها وتنظيمها بواسطة الجنس البشري”. أما من الناحية الإبستيمولوجية فمصطلح الجيوبولتيكا مكوّن من شقّين “جيو” وتعني الجغرافيا، و”بوليتيك “وتعني السياسة مما يوحي لنا بوجود علاقة بين الأرض أو الجغرافيا مع السياسة، ومنه فالجيوسياسية أو الجيوبوليتيك هي علم دراسة تأثير الأرض على السياسة في مقابل مسعى السياسة للاستفادة من هذه المميزات وفق منظور مستقبلي أي (علاقة تأثّر و تأثِير)، و هناك من يصفها ” بعلم سياسة الأرض” بمعنى العلم الذي يُعنى بدراسة تأثير السلوك السياسي في تغيير الأبعاد الجغرافية للدولة، مما يستحضر في أذهاننا  أن هناك فاعل يمارس علاقة قوة في إطار جغرافي معين

وعليه يمكننا القول بأنّ علم الجيوبوليتيك في أبسط معانيه هو العلم الذي يقودنا إلى دراسة كيفية استخدام  الجغرافيا كمصدر قوة للتعبير عن المواقف السياسية

وقد تعددّت التعريفات المقدمة لعلم الجيوبوليتيك ولعلَّ سبب هذا الاختلاف والتعدد يعود إلى عاملين أساسيين: أولهما، تعدد الاتجاهات الفكرية، وثانيهما، اختلاف الفترات الزمنية والاحداث الدولية

الفرق بين الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك

 الجغرافيا السياسية

تعترف بالحدود السياسية القائمة بين الدول ومن حق الدولة أن تمارس سيادتها على أرضها داخل حدودها فقط –

مجالها دراسة وقائع الأرض الحالية للدولة –

تعطي تصوّر لكيان الدولة كما هو قائم فعلاً –

تدرس تأثير الجغرافيا(الطبيعية والبشرية) في السياسة –

تدرس الإمكانيات المتاحة وعناصر القوة والضعف الكامنة (البشرية والطبيعية) داخل حدود الدولة –

تهتم بمساحتها داخل حدودها الحالية وتدرس حالة الدولة الراهنة وما تمتلكه من مقدرات مادية وبشرية داخل حدوده –

تهتم بتحقيق قوة الدولة لتحسين وظائفها داخل حدودها –

تعالج الجغرافيا السياسية مشكلات الحاضر وقد تتطرق إلى الماضي. وتعكس صورة الدولة والعلاقات الداخلية والخارجية كما هي –

تتميز الجغرافية السياسية بالموضوعية والشمولية وتنظر للعالم ككل واحد متماسك –

تهدف إلى سيادة السلم والأمن بين الدول –

تنضوي تحت مفهوم المدرسة الإمكانية –

الجيوبوليتيك

لا تعترف بحدود ثابتة بل تنظر للدولة على إنها كائن عضوي حيوي متغير(يولد وينمو ويشيخ ومن ثم يموت) ومن حق الدولة البحث عن عناصر القوة والسيادة خارج حدودها –

مجالها المطالب المكانية للدولة خارج الحدود –

تضع خطط لما يجب أن تكون عليه الدولة المتطورة في مساحتها دائماً –

تدرس تأثير السلوك السياسي في تغيير الأبعاد الجغرافية للدولة –

تدرس البحث عن الاحتياجات التي تتطلبها هذه الدولة للنمو حتى ولو كان وراء الحدود –

تهتم باحتياجات الدولة من المساحات الجغرافية من الأرض خارج حدودها، التي تزيد من قوتها –

تهتم بتخيل الكيفية التي ستكون عليها قوة الدولة في حال تحقيق أهدافها خارج حدودها –

تهب الجيوبوليتيك لمشكلات المستقبل، فتقيم موقف ما، وهي تبحث في النهاية لإيجاد مبررات لتنفيذ أهداف السياسة –

يتصف علم الجيوبولتيك بأنه ديناميكي يتحرك ومثالي وغير علمي ويقول بأحقية الدولة القوية بحقوق الإنسانية كلها –

عدواني تعصبي قائم على الصراع بين الدول للسيطرة على الأراضي المجاورة –

علم الجيوبوليتيك ينضوي تحت مفهوم المدرسة الحتمية –

أين لبنان في ظلّ الوضع الجيوسياسي المحيط به؟

فلبنان، باعتباره بلد مميّز عن غيره جغرافيا وسياسيا فيشكّل جزءا من منطقة الشرق الأوسط، نظراً لأهميّة موقعه الجغرافي بالنسبة للترانزيت والتجارة العالمية، فهو نقطة إلتقاء وتلاقي بين الشرق والغرب. فهذا الموقع الجغرافي يميّزه عن غيره وهو يشكّل ملجئ للأقليّات. بالإضافة الى مناخه المعتدل فالشتاء دافئ قصير ممطر، والصيف حار طويل وجاف، وتنوّع الفصول فيه ممّا يساعد على الزراعة نظراً لتنوّع المواسم. وتضاريسه المقسّمة الى ثلاثة أقسام: إقليم السهول الساحلية، إقليم المرتفعات الجبلية، إقليم المنخفض الأوسط الأخدودي، بالإضافة الى الموارد المائيّة وتركيبة السكّان المتنوّعة والتقسيم الاداري فيه فعاش منذ الاستقلال في ظل صراعين أرخيا بثقلهما على الكثير من مفاصل تاريخه الحديث، وطبعا الكثير من محطاته المصيرية

فنحن كلبنانيين نعتبر قاطنين في منطقة “الهلال الخصيب” أي المنطقة الوحيدة، نوعاً ما، التي يمكنها ان تمتلك إكتفاء ذاتي من خلال تأمين الموارد المائية والمواد الأولية والزراعة والصناعة والتجارة والسياحة

وإذا كانت معرفة الماضي، وإلقاء الأضواء على مفاصله الأساسية مهمة لاستخلاص الدروس والعبر، فإن الأهم يكمن في استشراف المستقبل في ضوء صراع جديد يعيش لبنان في ظله منذ نهاية القرن الماضي، وهو الصراع بين الأصوليات الإسلامية والعالم الحر الذي حل مكان الصراع بين الشيوعية والرأسمالية، بعدما شعر التطرف الديني بأن سقوط الشيوعية يجعل منه قادرا على أن يكون رأس الحربة في مواجهة العالم الحر وهو ما عرف بالحرب الباردة

وهذا بالطبع من دون إغفال الصراع الاقليمي العربي الإسرائيلي المستمر والموروث من الحقبة الماضية خصوصا بعدما بات يتأثر بالصراعين المستجدين على المستوى الدولي بين التطرف والأصوليات من جهة، والعالم الحر من جهة مقابلة وعلى المستوى الإقليمي بين السنّة من جهة، والشيعة من جهة مقابلة

إنها باختصار كلّي، صورة الواقع السياسي الذي يحيط بالجغرافيا اللبنانية، في هذه الحقبة المصيرية من تاريخنا. وأسارع الى القول، بأن أي رهان على تحييد لبنان عن هذه الصراعات، أو أي سعي الى عزل لبنان عن التأثّر بها، هو ضرب من ضروب الخيال والوهم، ومحاولة غير واقعية، وغير منطقية للقفز فوق الواقع، لن تؤدي إلّا الى أخطاء استراتيجية في التعاطي مع المخاطر المحدقة بنا كلبنانيين تنتهي بنا الى المزيد من النكسات والخسائر التي يصعب تصحيحها، أو تعويضها

فلبنان، واللبنانيون يعيشون في قلب هذه الصراعات، وإقناع الذات بقدرتنا على عزل أنفسنا عنها، سرعان ما سيدحضه الواقع، ولكن بعد فوات الأوان

لذلك، فإن المطلوب، الإقرار والاعتراف بالحقيقة والواقع… وخطة متكاملة للتعاطي مع هذين الواقع والحقيقة على نحو يسمح بتعزيز مناعة الجسم اللبناني في مواجهة الصراعات التي تدور في محيطنا الشرق الأوسطي، وصولاً الى داخل بيتنا اللبناني

:وما يفترض أن نأخذه في الاعتبار في خطتنا المرجوّة، مسلمات عدة

لبنان لا يمكن أن يكون بمنأى عن الصراع بين الأصوليات من جهة والعالم الحرّ من جهة ثانية، لأن تركيبته الاجتماعية التعددية والمعقّدة والمتداخلة تجعل منه بيئة قابلة لنمو الأصوليات من جهة، وبيئة حاضنة لقيم العالم الحرّ من جهة مقابلة. وهو ما يجعل أرضنا، حكماً، جزءا من ساحة الصراع بين الاُصوليات والعالم الحرّ

لبنان لا يمكن أن يكون بمنأى عن الصراع السني – الشيعي لأن الطائفتين السنية والشيعية تعتبران مكونين اساسيين من مكوناته الطائفية، وبالتالي فإنه لا بد لهما بفعل امتدادهما الإقليمي أن يتاثّرا بالصراع ويتحوّلا الى وجه من وجوهه المحلية على الساحة اللبنانية

لبنان لا يمكن أن يكون بمنأى عن تأثيرات الصراع العربي – الإسرائيلي، لاعتبارات عدة أقلها أنه دولة عربية له حدود مشتركة مع اسرائيل، وهو يستضيف على أرضه مئات الألوف من اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات لا خلاف في أنها تحولت الى جزر أمنية وملجئ يأوي تنظيمات ومجموعات تستفيد من البيئة الاجتماعية والسياسية لبناء قواعد خلفية، أو بالأحرى متقدمة، للصراعات الإقليمية والدولية التي سبقت الإشارة اليها

ففي ظلّ كل الصراعات القائمة التي نعيشها، يبقى لبنان بلد غني التنوّع في الثقافات والأعراق والطوائف والحضارات


Margueritta Koborsi
Margueritta Koborsi

Sagesse

In Politics, if you want anything said, ask a man. But if you want anything done, ask a woman!

Bad officials are the ones elected by good citizens who don’t vote.


المصادر والمراجع

 لورا محمود، “الجبوبوليتيك..جغرافيا سياسية أم إستراتيجية الساسة، جريدة البناء، العدد.1628، 2014

 معنى علم الجيبوليتيك، الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية والإستراتيجية

Encyclopedia Britannica

جغرافيا السياسية المؤثرة في الواقع اللبناني ليماسول 2 كانون الأول 2007

Leave a Comment