منذ أيام وتدور حرب ضارية بين جيش اقليم قره باغ المستقل المعروف بأرتساخ واذربيجان، والتي لاقت اهتماماً واسعاً في العالم لأهمية وخطورة الوضع القائم في ظل انتظار التدخل الدولي لايقاف العمليات العسكرية
للتعريف عن منطقة النزاع، انها هضبة جبلية في القوقاز سكانها ارمن منذ عهد مملكة أوراتو (ارارات) حتى يومنا الحالي، أي قبل وجود العرق التركي بما فيه الاذري في المنطقة وقبل وصولهم مع فتوحات المغول واستقرارهم في الاراضي التركية الحالية واذربيجان واراضٍ اخرى. بقيت هذه المنطقة ارمنية رغم توالي الفتوحات عليها، على غرار الاراضي الارمنية المحتلة اليوم من قبل تركيا التي ابادت الشعب الارمني من عليها عام 1915 وقبلها المجازر الحميدية نسبة للسلطان العثماني عبد الحميد الثاني واستمرت باحتلالها مساحات تصل الى 130 الف كم2 وفق ما اتفق عليه في معاهدة سيفر في تحديد حدود الدولتين
اما من ناحية اذربيجان انها دولة حديثة وكدولة لا جذور تاريخي بعيد لها في المنطقة وعمرها حوالي 102 سنة، فاعلنت استقلالها الاول عام 1918 ابان انهيار السلطنة العثمانية، وبدورها ارمنيا اعلنت استقلالها في التاريخ عينه عن الاحتلال العثماني بحدود اوسع من الحالية واقل من الحقوق كاملةً. ولكن مع وصول الحزب الشيوعي الى الحكم في روسيا ومن ثم غزو واحتلال السوفيات للقوقاز، خسرت الدولتان استقلالهما، واقتطع ستالين عام 1923 اقليم ارتساخ من الارمن وضمهه لأذربيجان بقرار منه، مع منح حكم ذاتي، وبالتالي زرع الخلافات واالتناقضات في المنطقة، رفضَ الارمن ذلك القرار كون المنطقة ارمنية وسكانها ارمن منذ ما يقارب 2810 اعوم
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي استمر الصراع واصبح صراعاً عسكرياً ادى الى اعلان استقلال ارتساخ الملتصقة بأرمينيا، وانتهت الاعمال الحربية عام 1994، ولكن الصراع لم ينته
لم تعرف هذه المنطقة الهدوء ابداً على اهميتها كهضبة مرتفعة كاشفة واهميتها بالنسبة للارمن كأرض ارمنية. وعلى اثر هذه الاهمية واستمرار الصراع وصعوبة حلّها، نشأ عن منظمة الامن والتعاون الاوروبي التابعة للامم المتحدة المكلّفة في حل الصراعات في اسيا الصغرى والقوقاز، مجموعة مينسك لتهدئة وحلّ النزاع القائم بين اذربيجان وارتساخ، وتضم هذه المجموعة كل من فرنسا روسيا والولايات المتحدة الى جانب طرفي النزاع اذربيجان وارمينيا ممثلةً ارتساخ انه صراع اكثرمن مئة عام، ولكن عادت العمليات العسكرية في نيسان عام 2016 حيث باغتت اذربيجان بهجوم على القرى والمدن وعمدت على قتل المدنيين كما والسيطرة على بعض المواقع العسكرية لجيش ارتساخ، ودارت حرب الاربعة الايام واستطاع الارمن صد الهجوم وتكبيد الخسائر للطرف المعتدي، ولكن كما اشرنا انه صراع مستمر ومن المهم ان يتم متابعة الامور بعد تلك الحرب في 2016 وبعد وقف العمليات العسكرية
طلبت الجهة الارمنية من مجموعة مينسك والمجتمع الدولي وضع آلات مراقبة حديثة الصنع وحسّاسات لمراقبة كافة الحدود بين ارتساخ واذربيجان، لتحديد من يقوم بالمبادرة بالاعتداء وتوجيه الاتهام اليه
طالبت ارمينيا من مجموعة مينسك والمجتمع الدولي ادانة الطرف الذي يخرق اتفاقية الهدنة مباشرة وعدم التوجه الى الطرفين سوياً، والمساواة بينهما اي المساواة بين المعتدي والمعتدى عليه، لأن هذا يشجع المعتدي على الاستمرار في اعماله العسكرية والنتيجة نراها اليوم
رفضت اذربيجان الاقتراحين الارمنيين. فلم يطبق الاقتراحين
علّقت اذربيجان الاجتماعات في مجموعة مينسك عام 2018
أغلقت اذربيجان المكاتب الدائمة لمجموعة مينسك فيها، بالتالي رفضت اي انواع من المفاوضات من خلال المجموعة، اي الابقاء على العمل المسلح كخيار وحيد ورفض التفاوض
في العامين 2018 و 2019 اجرت اذربيجان مناورات عسكرية بمشاركة تركية في مقاطعة ناخيتشيفان. الارمنية المحتلة من قبل اذربيجان – بعد ابادة وتهجير الارمن منها – وتقع بين ارمينيا وتركيا ولا تربطها حدود مع اذربيجان
تصعيد عسكري اذري دائم على الحدود الكاملة مع ارتساخ، والحدود الارمينية
رفعت ارمينيا التقارير الى المراجع الدولية والاتحاد الاوروبي ونبهت من خطورة الوضع والتصعيد والاستفزاز، ولكن دون حصول خطوات جدية لتدارك الامر
في تموز 2020 طلبت مجموعة مينسك عودة المراقبين الدوليين لمراقبة الحدود
رفضت اذربيجان المراقبة الدولية لعدم اعترافها بالحدود
محاولة اذرية في العام الماضي 2019 للدخول الى بعض القرى والمواقع في جمهورية ارتساخ، نتج عنه مقتل ظابط و4 جنود اذريين، واحتلال بعض المساحات
منذ ما يقارب الاربعة اشهر تقوم تركيا – التي تدير الارهابيين في الشرق الاوسط وشمال افريقيا – بنقل الارهابيين من سوريا والعراق وبعضهم من ليبيا الى تركيا الى انقرة واسطنبول، وبعض تقارير الملاحة الجوية تدل ان طائرات التي نقلت الارهابيين منها ما اقلعت من مطار تل ابيب في اسرائيل
نقلت تركيا الارهابيين من تركيا الى اذربيجان لمساندة الجيش الاذري دون المرور فوق الاجواء الارمينية، بل من الاجواء الجورجية
جورجيا اقفلت الحدود مع ارمينيا بدايةً بسبب كورونا، ومن ثم لمنع وصول مساعدات ارمن جورجيا وعلى وجه الخصوص ارمن مقاطعة جافاخك (مقاطعة ارمنية محتلة من قبل جورجيا ولايزال سكانها ارمن باكثر من 95% ) الى ارتساخ
اما الحاصل اليوم ان اذربيجان لم تكن تملك الارادة المنفردة في اتخاذ هذا القرار في الحرب بل كما سبق ذكرنا انها نتيجة تحضير مع تركيا والتنسيق معها
اذاً لماذا هذا التوقيت؟
ان موعد الانطلاق وتحديد ساعة الصفر اتت من اردوغان وعبّر عنها الرئيس التركي بدعمه الكامل لاذربيجان ودخول الحرب الى جانبها، وهذا ما هو اضافي وجديد على المواقف القديمة، ودائماً وفق مصالحها
فتركيا التي تملك ترسانة عسكرية قوية وفائض في القوة تبحث عن مجال لها، اضافةً الى اغلاق اوروبا الباب بوجهها رغم المحاولات منذ سنوات، وتوجه تركيا نحو افريقيا وآسيا، حيث تتلقى العناد الاوروبي والعربي المستجد في رفض الخلافة الجديدة ومنعها من السيطرة على البترول، لجأت الى اللعب في الملعب الروسي والدولي وهي آخر المناطق التي يمكنها التأثير فيها، فالفشل سيكون واقعه كبيراً على السياسة التركية التوسعية، من هنا خطورة استمرار النزاع المسلح. كما وانه وسيلة ضغط للتفاوض معها من منطلق قوة
فإن السياسة التركية اليوم تقوم على عنصر الامر الواقع والمباغتة ووضع الفرقاء الكبار امام الامر الواقع ومعطى جديد او واقع جديد دون التواصل او الاتفاق المسبق، كما الاعمال الاذرية اليوم رغم ترقب الامر من الجهة الارمنية ورفعها التقارير التي تنذر بالخطر المحدق منذ قبل عام
وجرت العادة ان الحروب الاذرية الارمنية، تبدأ بدعم تركي مطلق لاذربيجان كونها جزء من العرق والمشروع الطوراني، بالاضافة الى باكستان والمجاهدين الافغان وسابقاً الشيشان، اما من الجانب الارمني في ارتساخ بالتحديد لا دعم سوى من ارمينيا الى ان تتدخل الدول لوقف النزاعات وتلعب الدول دورها وفق مصالحها. مع العلم ان لارمينيا معاهدة دفاع مشترك مع روسيا لذا تتجنب تركيا المواجهة المباشرة مع ارمينيا كي لا تصتدم مع روسيا
كما وان ايران لا تدعم الاذريين الشيعة، بل مواقفعا مع ارتساخ لأنه 16% من الشعب الايراني هو اذري اي تركي شيعي وليس فارسي، وهناك بعض مكالب الانفصال عن ايران، وايران ترفض ذلك لأنه تقسيم للاراضي الفارسية
في 1/10/2020 رفضت تركيا الدعوات الدولية لوقف القتال في ارتساخ بكلام مباشر من الرئيس التركي اردوغان
تابع هذا الاعلان قصف جوي على عاصمة ارتساخ – ستيباناكيرت 2/10/2020، في تصعيد غير مسبوق
ان المنطقة مليئة بالخلافات والصراعات والنزاعات، قسم منها متعلّق بالنفط في القزوين والقوقاز وانابيب الغاز، واليورانيوم في ارمينيا، وآخر في بسط النفوذ، وآخر متعلّق بصراع القوميات والقضية الارمنية، وحيث تحتل كل من جورجيا واذربيجان وتركيا اراضٍ ارمنية واسعة
ألا انها منطقة نفوذ روسية بامتياز مع وجود اوروبي واميركي، يُلاحظ دائماً التأخير في التدخل، لأن للتدخل شروط، ولكن الاستمرار سيؤدي الى كارثة بشرية لضراوة الحرب. واصبح الوضع متفاقماً ربما يتطلب تدخل عدة دول الى جانب روسيا لوقف وتفادي الكارثة، لذا من الافضل ان يكون تدخلاً لمجلس الامن من خلال توصية وفق البند السادس، واعادة تفعيل مجموعة مينسك وفرض احترام المبادئ الدولية والانسانية وأولها حق الشعوب في تقرير مصيرها