مقابلة مع الاستاذ ملحم اميل خلف نقيب المحامين في بيروت
جلسة حوار مع نقيب الوطن
بعد انقضاء شهر على انتفاضة غضب أيقظت الأمة، كان الإستحقاق الأوّل. إستحقاق قد بدأ مشواره منذ أكثر من ستة أشهر، وفي ظلّ الصحوة الضمائرية للوطن إستعادت نقابة صون الشرائع، نقابة المحامين في أرض أمّ الشرائع، لقبها وشعارها كرافعة وطن. لذلك، كان لا بدّ من جلسة حوارية مع نقيب المحامين ملحم خلف، الذي خطا خطاه نحو عتبة النقابة مع ولادة وطن جديد
كان لا بدّ لانطلاقة الحوار أن تكون مع ملحم خلف الشاب، لمعرفة السبب وراء هذا الزخم والإندفاع نحو العمل. فتوجّهنا إلى سعادته بالسؤال
ما الذي دفع الشاب ملحم خلف لدراسة الحقوق، وممارسة مهنة المحاماة، أم كنت لتفضّل مهنة أخرى؟
كانت الإبتسامة التي رسمها على وجهه تُبشّر بإجابة تحمل في طيّاتها الكثير من الشغف فجاء ردّه
كان لي الفرصة في أن أولد في عائلة، كانت المحاماة متجلّية في كافة جوانبها. خمسة من أجدادي هم من المحامين، إضافة إلى عمّي. كما أنّ إسمي كان تيمّنا بجدّي الذي كان من أولى المحامين في لبنان. كبرت على قيم، حلمت بالمهنة كرسالة كبيرة تحملك للدفاع عن المظلوم، المسحوق والمتروك حيث عليك أن تواجه مصاعب الدنيا باسم رسالة بهذا الحجم (المحاماة)، ففي نهاية المطاف ترعرعت على هذه الكرامة الهائلة للمحامين ورسالتهم
إنطلاقا من المحامي ملحم خلف الذي لم يكتف بالشهادة الوطنيّة بل طمح بتوسيع آفاقه نحو الدراسات العليا في الخارج، وفي ظلّ الظروف الراهنة التي تسود كسحابة سوداء على بلادنا وتاريخ مغادرتها لا يزال مجهولا، كان لا بدّ من السؤال
كيف تصف تجربتك في الدراسات العليا في بلاد الإغتراب، وفي الأوضاع الراهنة هل تنصح الشباب اللبناني بالإغتراب؟
من المهمّ جدا أن يسعى الإنسان لتطوير ذاته، واكتساب المعرفة. كلّ إنسان يكبر من خلال العلم و تخزين التجارب.إنّها تجربة أساسية. فمن ناحية أولى، تفتح الأفق أمامك، وثانيا تغتني بالآخر الذي كنت تجهله وتجهل ثقافته. ثالثا، العلم كنز! واكتسابه لا يصبّ فقط في مصلحتك بل من أجل مشاركته وتقاسمه مع الآخرين. تجربتي في فرنسا كانت جدّ أساسية، إن كان من ناحية التحصيل العلمي، أغنتني باكتشاف الآخر مجتمعا وأفرادا. وقد أتيحت لي الفرصة أن حصلت على منحة من الدولة الفرنسية التي سمحت لي متابعة دراستي في الخارج
إنّما جئت لأخدم لا لأُخدَم
النقيب ملحم خلف عن لسان السيد المسيح
لم تكن الدراسة الجامعية هي التجربة الوحيدة التي خاضها خلف خارج حدود الوطن فقد كان له دور بارز في إحدى هيئات الأمم المتحدة “لجنة القضاء على التمييز العنصري” والتي تُعنى بمناهضة كل أشكال التمييز العالمي
وفي السؤال عن تلك التجربة ونظرة المجتمع الدولي للبنان ورجالاته
إنّها خبرة جدا مهمة في حياتي، وقد انطلقت بطرح ترشيحي من قبل الدولة اللبنانية، على الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وانتخابي من الجمعية العمومية لملء 18 مقعدا من الخبراء داخل اللجنة الدولية. هذه اللجنة مرتبطة بالإتفاقية الدولية لمناهضة كل أشكال التمييز العنصري في العالم، وهي من أولى الإتفاقيات التي أُبرمت عالميا
وأضاف في ما يتعلّق بنظرة المجتمع الدولي
هناك لا توجد تلك الإعتبارات (لبنان أو غيره). هناك، كلّ الدول المصادقة على هذه الإتفاقية تمرّ أمامك لمراجعة وضعها على ضوء تطبيقها لتلك الإتفاقية. أنت تراقب كلّ الدول، الأمر لا يرتبط بموقع لبنان أو عدمه، بل بكيفية إحترام هذه الدول المصادقة لمضمون وأحكام الإتفاقيات. لبنان! فقط لو أنّكم تعلمون مدى أهمية لبنان. لبنان نموذج، علينا أن ننجحه، نموذج للعيش معا، اليوم العالم يتخبط لمعرفة كيفية إدارة التنوّع ولبنان بحاجة ماسة لمعرفة كيفية إنجاح نموذجه من أجل لبنان أولا، والدول المحيطة ثانيا ومن أجل البشرية وإعطائه بشكل يسمح بإثبات إمكانية العيش معا حتى في هذا التنوع ضمن الوحدة. الوصول إلى هذا النموذج أهمّ رسالة يمكن أن يقدّمها لبنان للعالم
قُرعت أجراس إنتخابات نقابة المحامين، فكان المحامي ملحم خلف لها بالمرصاد وبعد تجربة ناجحةمحليا ودوليا قرّر خوض معركة الإنتخابات النقابية
الحياة عبارة عن تراكم للمراحل، وتراكمها يأتي دوما لتأدية خدمة مجانيّة، والخدمة هي الأساس. ومن تلك الزاوية وتراكم مراحل حياتي أدّت إلى هذا الأمر كإجابة على سؤال (أين يمكنني أن أخدم أكثر؟) وإكمالا لرسالتي والمرتبطة بقيم ومبادئ لها من العمر مئة عام، نحن اليوم نترجمها لتكون من خلال خدمة المحامين، إنّما أولئك في خدمة الوطن. هذه النقابة هي حصن، حصن في حماية حقوق الناس وحرياتهم، وبتأديتها لرسالتها هي رافعة وطن. هذا ما دفعني لخوض هذه التجربة
ولا يخفى على أحد أنّ هذه الإنتخابات على غرار كلّ الإستحقاقات الديمقراطية مشبعة بالعناوين السياسية والحزبية، وانطلاقا من هنا كان التساؤل الأساس حول ما إذا كانت بعض الأحزاب قد حاولت مقاربة خلف وضمّه إلى لواء حملاتها
وتعليقا على هذا التساؤل أكّد النقيب
لكلّ إنسان خياراته ونحن في بلد متنوّع والأساس هو احترام الإختلافات. وكما يقول موليير “أخالفك الرأي حتى الموت، وحتى الموت أدافع عن حقك في إبداء رأيك”. إذن الحق في الإختلاف هو ما يجب التنبه إليه واحترامه فهو أساس الديمقراطية. وهو يسمح ضمن الإحترام المتبادل بخلق أفكار نكبر بمقاربتها دون خلاف
بهذه الأفكار والقناعات تصدّر خلف الإنتخابات بلعبة الأرقام، وتبوّأ لقب النقيب وقد ضجّت أروقة قصر العدل المكتظّة بالمحامين ومتنافسين ومندوبيهم بصرخات ثوريّة مهلّلة بانتصار خلف. وإنّ عمل النقيب المتواصل في ظلّ الثورة الحالية أكسبه لقب “نقيب الثورة” وعلى إثر صونه لحقوق الناس كما عبّر سابقا إزدادت شعبيّته
ما دفع البعض للتساؤل، والبعض الآخر للتيقّن أنّ خلف يسعى خلف رئاسة الجمهورية، أو مقعد وزاريّ أو في أيّ حال، أن يُصبح ممثّلا للأمّة جمعاء. ولنقطع الشكّ باليقين توجّهنا إلى حضرته سائلين عن طموحاته السياسية وإذ به يجيب
دعونا نتّفق أولا، أنا نقيب كلّ لبنان. نقيب الوطن، لست نقيبا فئويا ولن أكون في أي وقت من الأوقات هذا النقيب الذي لا يوازن بين كلّ قضايا الوطن. طالما أعطاني المحامون الثقة فلن أخذلهم، طالما أنا بهذه الثقة المعطاة لي أؤكّد أنني لن أخذلهم. والمستقبل هو للأيّام القادمة ولكن الآن لن أخذل المحامين وليس هناك أرفع من موقع نقيب المحامين لتحمّل المسؤولية. اللهم أن أكون على قدر هذه الثقة لخدمة الناس
الغد إذن لناظره لقريب، وفي معركة سياسيّة على أيّ من المقاعد المذكورة أعلاه، المواقف والتصاريح مطلوبة. وبعضها قد يمسّ ببعض الخطوط “الحمراء” في السياسة اللبنانية
وإذا كان سعادة النقيب يتمتّع بهذه الشعبيّة الواسعة يطرح السؤال نفسه, هل سيخسر شيئا من قاعدته الجماهريّة لو أنّه عبّر عن تلك المواقف؟
أنا نقيب الوطن، أنا لا أملك قاعدة شعبيّة. أعبّر عن مواقف وطنية. أشكر الناس على محبّتهم فهي أسمى ما يمكن أن أصل إليه. محبّة الناس على مستوى آخر من الشعبيّة السياسية، وأنا في خدمة الناس
لا يزال مشوار خلف على رأس مجلس النقابة في أوّله، لذلك لتحديد الرؤية التي يسعى لتحقيقها كان لا بدّ لنا أن نسأل
ما هي أبرز الأهداف التي تسعى لتحقيقها من موقعك؟
من أهم الأمور، المساعدة على قيام السلطة القضائية المستقلّة الفاعلة، المحاسبة والنزيهة. هذا أهمّ ما يمكننا أن نسعى لتحقيقه، وهنا يكمن الإصلاح الأول كي تستقيم العدالة وتقوم السلطة القضائية. وبقيام السلطة القضائية، تقوم العدالة ولا يمكن أن تقوم الأوطان إلّا بالعدالة. لذلك هي على رأس الأولويّات. يتم ذلك عبر إصلاح تشريعي نشارك به من خلال المجلس النيابي. ثانيا، نقابة المحامين لها من العمر مئة عام ونحن أمام تحديث يجب التطلّع إليه، إن على المكننة أو إعادة التطرّق إلى قانون تنظيم المهنة، وبعض الأمور المتعلّقة بعلاقتنا مع القضاء وبعض الأمور التظيمية الداخلية. والإهتمام الأوّل هو بالمحامي كي يكون على قدر المسؤولية لحمل هموم الناس والرسالة التي هي أساس عمله
لم نُخف على سعادته رغبة الطلاب الحقوقيين في الإنخراط في المجال العملي، وأبدينا تساؤلنا حول ما إذا كان هذا الأمر من بين تلك الأهداف فأكّد
أبواب النقابة دوما مفتوحة. فليكتشفوا! إنخراطهم في المجال العملي أساس ولكن لا يمكن أن يكون ضمن الإطار الفوري، يجب تحضير وتنظيم هذه الأمور. هذه أمور أساسية وإن لم يكن هناك من تنظيم ما سيسقط المشروع وسنفشل. في حال هناك من إهتمام وخاصة بطلاب الحقوق علينا أن ننظّم ونرتّب هكذا إطار، هناك إمكانيات كبيرة ونحن منفتحون على أيّ فكرة يطرحها علينا الشباب
وفي الحديث عن دور النقابة في العمل التشريعي، أكّد خلف على عمل النقابة ورأيها القانوني ودورها التشريعي وحقها في إبداء رأيها في كافة إقتراحات ومشاريع القوانين وحرص المجلس النيابي على هذا الأمر. إضافة إلى مشاركة النقابة في كافة اللجان التي يتم دعوتها إليها
لعلّ وجود خلف على رأس نقابة المحامين في هذه الفترة العصيبة التي تمرّ بها البلاد، نعمة على البلاد وأهلها إنطلاقا من المبادئ التي يحملها والرسالة التي جاء لتأديتها. لكنّ التحديات آتية لا محال وفي السؤال عن أبرز تلك التحديات التي قد يواجهها في إطار عمله النقابيّ يجيب
اليوم، الأمانة التي أحملها على مستوى تحمّل المسؤولية، تبقى المسؤولية نفسها أيّاً يكن الظرف. والمسؤولية هي إتّخاذ قرارات، إنّها إرادة، صبر ومثابرة. المسؤولية حكمة، تجرّد، وموضوعية. كلّ هذه العناصر تشكّل حسن إستيعاب كلّ الظروف وحسن التصرّف بشكل يسمح باتّخاذ قرارات من خلال الإرادة، الحكمة والتجرّد وكافة العناصر التي ذكرتها
وقد أدّى العمل اللافت الذي أدّاه خلف منذ انطلاقة مسيرته إلى إطلالة إعلامية ضمن برنامج “صار الوقت” حيث أكّد “العائق الأكبر أمام العدالة في لبنان، هو عدم إستقلالية القضاء” فكان السؤال، ما الذي يُعرقل؟
وبكلّ صدق وتجرّد كان ردّه
نحن أمام منظومة أطبقت على نفسها، هي تستخدم الصورة العامة للديمقراطية. والنظام الديمقراطي لا يستقيم فعلا إلّا بفصل السلطات وتداولها وبرقابة السلطة. هذه هي القواعد الثلاثة: فصل السلطة، تداول السلطة ورقابة السلطة. الرقابة تأتي من زاويتين، إمّا رقابة سياسية هي رقابة البرلمان على الحكومة. أي رقابة السلطة التشريعية على التنفيذية. وإمّا رقابة قضائية، مساءلة لكلّ وأي مخالفة. والذي أطبق على القضاء هو تدخّل مباشر للسياسيين في تشكيلاتهم، تسميتهم ومناقلاتهم. فأصبح هناك نوع من وضع اليد على القضاء من قبل السياسيين. على ما أعتقد، قد يكون من المفيد رفع يد السياسيين عن القضاء وهذا أمر أساسي ومن هنا ينطلق همّنا بقيام إصلاح تشريعي لقيام السلطة القضائية المستقلّة، وتكون أبعد البعد عن هذا التسلّط الذي يأتي عليها من قبل السياسيين
وبما أنّ النقيب تطرّق إلى الإصلاح التشريعي الذي يجب النهوض إليه، وبغضّ النظر عن مدى إستقلالية القضاء توجّهنا بالسؤال عمّا إذا كان يرى أنّ بعض القوانين اللبنانية قد أصبحت بالية؟
أعتقد إن كان يمكننا تطبيق هذه القوانين فعلا فسنكون في مكان أفضل من أن نرى هذه القوانين على أنّها أصبحت بالية، فالعبرة في تطبيقها وحسن تطبيقها
وضمن الإطار التشريعي نفسه، وعن نظرته كرجل قانون إلى أسمى القوانين المحليّة ورأسها، الدستور اللبناني وتقييمه له ولثغراته
لا يخلو أيّ نصّ من الثغرات، كلّ نصّ هو قابل للتطوّر والتأويل والتفسير. عندما نتكلّم عن نصّ، وخاصة في الدساتير أي برفعة هذه النصوص، يجب إحترامها. يجب أن تكون كلّ المقاربات دقيقة، وعدم التطرّق إليه على أنّه وجهة نظر، ولكن في الوقت عينه ليس مُنزلا. مقاربته يجب أن تكون وفقا للقواعد التي ترعى حكمته. وهناك مجلس دستوري هو الذي يحافظ على حسن تطبيقه ودستوريّة القوانين. الثغرات حتميّة، فليس هناك نصّ كامل ولكن كلّها قابلة للتطوير. ومن الأمور الملفتة والأساسية في دستورنا وخاصة في مقدّمته، أنّه قد أدخل جميع الإتفاقيات الدولية وخاصة حقوق الإنسان ضمن التشريعات الوطنيّة وبرفعة وسمو. وأكثر من ذلك، هو دستور مدني يُقرّ لجلالة الله دون أن يكون هناك دينٌ للدولة
معركتنا معركة قيم ومبادئ
الدبلوماسي شارل مالك
يبدو إذا أنّ كلّ ساحات القتال والمعارك أيّا كان نوعها ترتبط بالقيم، ولا ينسى خلف في أيّ حديث له أن يسلّط الضوء على القيم التي تسود في حياته. وفي الحديث أكثر عنها يقول
بداية، هي قيمٌ تربويّة، أخلاقيّة. القيمة الأولى والأخيرة التي يجب الأخذ بها هي الإنسان. إحترام الإنسان، حقوقه وكرامته والمحافظة عليها وعلى حريّته. هذه هي القيم التي تحملها رسالة المحاماة! أمّ على الصعيد الشخصي، أعتقد أننا يجب أن نكون على مستويين أساسيين. أنا إنسان حرّ، أخضع لقيدين. هما: مخافة الله والضمير الحيّ
أمّا شعار خلف للحياة، قولٌ عن السيّد المسيح: إنّما جئت لأخدم لا لأُخدَم
ختاما، إذا كانت الأوطان لا تستقيم إلّا بالعدالة، وفي وطنٍ وُجد للعدالة جناحين. أوّلهما بيد سلطة دستوريّة يجب أن تقوم على أساس الإستقلاليّة، وثانيهما جنود في خدمة العدالة والشرائع والحقوق تؤكّد اليوم أمّ الشرائع والحصن المنيع الذي يشكّل رافعة الوطن أنّ الإنسان لا يستقيم إلّا بالإنسانية