الإتجار بالبشر جرم يعود في جذوره إلى بدايات التّاريخ الموثّق. رافق العديد من حضارات العالم خلال حقبات زمنيّة متواصلة حتّى يومنا هذا. لربّما أقدم حادثة اتّجار قد ذُكرت في سفر التّكوين، عندما تآمر أولاد يعقوب على أخيهم يوسف وباعوه إلى قافلة الإسماعيليين الآتية من جلعاد إلى مصر واشتراه فوطيفار مساعد فرعون
عرّف بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص الصادر عام 2000 بموجب قرار رقم 25 من الجمعية العامة للأمم المتحّدة في المادة الثّالثة منه فقرة -أ- الإتجار بالأشخاص بأنّه كلّ تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بواسطة التّهديد بالقوّة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السّلطة أو استغلال حالة استضعاف أو بإعطاء أو تلّقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له السّيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال كحدّ أدنى استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسراً أو الإسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرّق أو الاستعباد أو نزع الأعضاء. وقّع لبنان على هذا البروتوكول في 9 كانون الأول من العام 2002 وصُدّق في المجلس النّيابي بتاريخ 5 تشرين الأول عام 2005. ولكن الدّخول طرفاً في هذا البروتوكول ليس كافياً بل يجب تطبيقه وتشريع قوانينه الدّاخليّة من أجل حماية الضحيّة
على صعيد التّشريع الّلبناني، أقرّ المشرع قانون معاقبة جريمة الاتّجار بالأشخاص في 24 آب 2011، وقد تضمّن مواداً تعديليّة لقانون العقوبات الّلبناني. ولكن رافقت إقرار هذا القانون العديد من الشكوك حول نيّة المشرع بالإضافة إلى عوامل خارجيّة أدّت إلى إقراره أبرزها قيام الولايات المتّحدة الأمريكية بتخفيض مستوى لبنان من الفئة الثّانية إلى الفئة الثّالثة في تقريرها السّنوي حول مكافحة الاتّجار بالأشخاص في العام 2011، ممّا كان سيؤدّي إلى إنزال عقوبات بحق لبنان، أبرزها: الامتناع والتّوقف عن تقديم المساعدات وعدم الحصول على مساعدات من البنك الدّولي { بإستثناء الإنسانيّة منها وتلك المتعلّقة بالتّجارة } . من ناحية أخرى، نرى أنّ المشرع الّلبناني وضع الضّحيّة في وضعيّة قانونيّة صعبة، فالقانون نصّ على تشديد العقوبات إزاء استغلال الغير والاتّجار بهم، ولكن ترك الضّحيّة عرضة للملاحقة والمعاقبة إلاّ إذا أثبت الأخير أنّ حالة الإرغام على ارتكاب الفعل كانت موجودة، وهنا تكمن الصّعوبة في إثبات قيام حالة الإرغام من قِبل الضّحية، مع العلم أنّ البروتوكول الصّادر عام 2000 نصّ في مادته الثّالثة الفقرة -ب-على أنّه لا تكون موافقة ضحيّة الاتّجار محلّ اعتبار في الحالات الّتي تكون قد تعرّضت لها في الاتّجار، أي إنّ إثبات قيام حالة الإرغام من قِبل الضّحية غير مطلوبة، بل يجب حصول الفعل الاستغلالي فقط
صفة “ضحيّة” يجب أن تكون كافية من أجل إعفاء الشّخص من العقاب والملاحقة، كما يجب على المشرع أن يضع مصلحة الضحيّة أوّلاً عوضاً عن وضع مصلحته السّياسيّة على رأس سلّم أولويّاته و يبقى السّؤال الّذي يطرح نفسه..هل يقبع في مجلسنا النّيابي رجال قانون أم تجّار بشر؟
:المراجع
بروتوكول منع و قمع و معاقبة الاتجار بالبشر: الامم المتحدة-حقوق الانسان-