شارل مالك
يصنع الانسان الحدث والحدث يصبح تاريخاً، فنرى على مرّ الزّمان من حفر اسمه على صخرة تدوين التاريخ على مستويات متعددة، محلية أكانت أم اقليمية او حتى دولية عالمية، وفي مجالات مختلفة سياسية ، فلسفية علمية وفنية …. من خلال ابداعات كانت تفتقدها في حينه البشرية او المجتمع الذي ينتمي اليه والتي ازدادت مع ازدياد حقول التخصص في شتّى المواضيع
لم يبخل لبنان في تقديم العديد من ابنائه المبدعين واسماء كثر من السبّاقين لإضفاء البصمة والتوقيع اللبناني على صفحات التاريخ، والذين غالباً ما انتُقدوا في بلادهم وكُرّموا في الخارج، وهذا ناتج عن التركيبة الجدلية للمجتمع اللبناني. يدور اسم شارل مالك في فلك السياسة والفلسفة والدبلوماسية وحقوق الانسان بالاضافة الى فلسفة حرية الانسان. اسم لمع في الساحتين المحلية والدولية منذ بدايات تكوين الكيان السياسي للبنان الحالي، اذ استطاع ان يمركزه بين الكبار
وان اردنا التعمّق في هذه الشخصية الفلسفية والدبلوماسية لكتبنا الكثير عنها سعياً منّا تفسير تحليلها وفهمها
بفقرات موجزة سنحاول اختصار هذه الشخصية، وتعريفها تعريفاً دقيقاً في جميع ما برعت فيه، ونتناولها في المواضيع الآتية
شارل مالك في الامم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان –
شارل مالك الدبلوماسي وسفير لبنان لدى الولايات المتحدة الاميريكية –
شارل مالك والايمان وحياته السياسية في لبنان –
انه شارل حبيب مالك ولد عام 1906 في بطرّام في قضاء الكورة شمال لبنان، وهو ارثوذكسي( ذِكر الطائفة هنا ليس من باب التعريف عن طائفته ولكن لأننا سنؤول اليه في علاقته بالايمان ورجال الدين فيما بعد)، تعلّم في مدرسة البعثة الاميريكية في طرابلس ومن ثم انتقل الى الجامعة الاميريكية في بيروت، وحصل على شهادة في الرياضيات والفزياء، من ثم اكمل دراسته في جامعة هارفرد، و فرايبورغ في المانيا، حيث غادرها مع صعود النازية فيها وهو ليبيرالي التوجه، عام 1937 تحصّل على الدكتوراه في فلسفة الماورائيات من هارفرد
عام 1945 عُيّن سفيراً للبنان لدى الولايات المتحدة الاميريكية ومندوباً في الامم المتحدة 1 . ترأس المجلس الاجتماعي والاقتصادي التابع للامم المتحدة، وكانت لمساته واضحة في صياغة شرعة حقوق الانسان لعام 1948، كما ترأس الجمعية العمومية للمنظمة بين عامي 1958 و 1959
في لبنان شغل منصب وزارة الخارجية من عام 1956 حتى 1958 1 ، ووزارة التربية والفنون الجميلة من 1956 الى 1957، كما ساهم في تأسيس الجبهة اللبنانية
شارل مالك في الامم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان
لا بد ان هذا العنوان هوالابرز في تاريخه، حيث تعتبر وثيقة الاعلان العالمي لحقوق الانسان من اهم المواثيق في التاريخ الحديث للعالم كما عبّر مالك في خطابه في الامم المتحدة عام 1948 اذ انّه الوحيد بعد الثورة الفرنسية 2
يحمل هذا الاعلان بروز اسم شارل مالك بخطٍّ عريض، كما يستر في طياته أيضاً عناوين اخرى مهمة مهدت لهذا العنوان الكبير، الا وهي النزعة التحررية لدى شارل مالك، فلسفته في دراسة الحريات الفردية للانسان وتوجهه الليبيرالي كما ذكرنا سابقاً
كيف تم الوصول الى الصيغة النهائية لتلك الوثيقة او الشرعة؟
ما هي المراحل التي مرّت بها؟ ما كانت المنطلقات الفكرية الدبلوماسية الاستشرافية؟ ومدى ارباطها بلبنان في ظلّ العمل على وثيقة دولية؟
عيّن الامين العام لمنظمة الامم المتحدة تريغفه هالفدان عام 1946 المحامي والدبلوماسي والعالم الكندي جون همفري مديراً على قسم حقوق الانسان في الامانة العامة، وكانت مهامه العمل مع لجنة حقوق الانسان لوضع الاسس لحماية تلك الحقوق، والتي بدورها تألفت من 18 عضواً وهي اول لجنة دائمة برئاسة اليانور روزفلت أرملة الرئيس الاميركي فرنكلين روزفلت، وتضمنت اللجنة دولاً ذات ايديولوجيات مختلفة ومتصارعة تعكس الواقع الدولي، وكان الهدف من هذا التنوع في الآراء هو جمع كافة النظريات حول حقوق الانسان من خلال كافة المنطلقات الفكرية ودمجها في اعلان دولي واحد موّحد
سرعان ما تحولت الاجتماعات الى مشادات سياسية ومواقف صلبة ابتعدت على اثرها الدول من الهدف الاساسي للاجتماعات. ووصف مالك الذي كان مقرر اللجنة، ان اي اجتماع سيتحول الى فرصة سانحة كل الدول لرفع سقف المواجهات الكلامية والدبلوماسية من خلال المنظمة وعملها، وستبقى اللجنة عاجزة من اتمام العمل وسيستغرق الامر عشرات السنين، وستبتعد الاجتماعات عن مبتغاها الاساسي، عوض طرح كل دولة مشتركة افكارها ومفهومها وبنودها
بادرت روزفلت على مرحلتين الى تصغير اللجنة العاملة، وشكلت لجنة ثلاثية مؤلفة من رينه كاسان من فرنسا و تشانغ من الصين وشارل مالك، بالاضافة الى جون همفري المدير، واتفقت اللجنة على تكليف هذا الاخير تحضير المشروع الاولي للاعلان. حضّر الكندي مشروعاً اولياً لطرحه على اللجنة ومن ثم على الجمعية العمومية ، وكان المشروع اشبه بأطروحة مؤلفاً من 400 صفحة، عارض مالك ان يكون الاعلان بهذا الحجم على الرغم من اهميته، باعتباره انه غير قابل ان يقرّ او يناقش وكما يصعب التصويت عليه. فطلبت روزفلت من كاسان وضع مسودة مختصرة واضحة دقيقة وهادفة، على ان يشاركه شارل مالك في الآراء في متنها، وكاسان لم يكن يتقن اللغة الانكليزية اتقاناً جيداً لذا كانت مساعدة مالك ضرورية
حضّر كاسان مسودة مؤلفة من 30 بنداً بالاعتماد على اعلان حقوق الانسان والمواطن الصادر عن الثورة الفرنسية، وعلى الماغنا كارتا التي صدرت عن نبلاء بيرطانيا، ويظهر مالك في الوثيقة في اصراره على المواد 18 – 20 – 26، ووضعه بمفرده مقدمة الاعلان. وتم التوفيق بين الدفاع عن حقوق الانسان كفرد كأساس لحقوق الانسان، وهذه النظرية هي التي دافع عنها مالك، وبين حقوق الانسان كجماعة التي كانت اقرب الى النظرة الاوروبية والفرنسية كون الانسان يمارس حقوقه في المجتمع
في 10/12/1948 تبنّت الجمعية العمومية لمنظمة الامم المتحدة الوثيقة في اجتماعها في باريس، مع امتناع 8 دول من التصويت فقط وموافقة باقي الدول الاعضاء
طبعاً مرّ تحضير الوثيقة في تخبطات سياسية دولية حادة، اذ كان العالم منقسماً الى معسكرين مختلفين تمام الاختلاف ايديولوجياً، وكانت الولايات المتحدة الاميريكية تعمد الى تلزيم أي عمل سياسي لمنظمة الامم المتحدة، من ناحية لاعطاء الغطاء الشرعي الدولي للعمل ومن ناحية اخرى لتفعيل دور المنظمة، ووضع كل معارض لسياستها في مواجهة المجتمع الدولي. اذاً فمن الطبيعي ان تكون المعارضة ايضاُ من داخل المنظمة، والنتيجة افشال وتعقيد عمل المنظمة ، من جملة الاعمال هذه الشرعة
ناضل شارل مالك 3 سنوات من اجل اقرار هذه الشرعة في ظل الاوضاع المعقدة، وايضاً بدورها روزفلت كانت الدافع والداعم الاساسي لانجاح هذا المشروع. ولكن ما الرابط بين اصرار روزفلت ومشاكسة مالك في انجاح الاعلان العالمي لحقوق الانسان؟
في الواقع ان هناك ثالث نقاط محورية اساسية في المنطلق التفكيري لمالك الى جانب علمه وفلسفته ومهنيته في العمل
أولاً
شارل مالك من الشرق، في منطقة غابت عنها الحريات لقرون وخاصة في الحقبة التركية او العثمانية، وانتقل ودرس في الغرب حيث تأصلت الحرية بعد ولادتها. فبعد عيشه وجمعه بين هذين النقيضين استطاع ان يوصف الحرية ويفهمها بشكل عميق والتي تأصّلت في شخصيته واصبح ذات نزعة تحررية، مما جعلته سبّاقاً في الذهاب الى البعيد البعيد وصولاً الى الفلسفة في الحرية، ورأى انه يمكن تكريسها فقط من خلال حماية حقوق الانسان
ثانياً
رأى ان ما يميز لبنان في المنطقة هو عيش المعنى الحقيقي للحياة المشتركة المترسخ في ضمير ابنائه، وهذه الحياة المشتركة هي مثال حي دائم للحرية، وهذا ما لا يتمتع به الجوار في الدول العربية بشكل اخص، لذا اصبح لبنان ملاذاً لكل فرد من المجتمعات في المنطقة
ثالثاً
يشير الكاتب والصحافي اللبناني رفيق معلوف، بأن :” شارل مالك الذي كان يفتخر بتميّز لبنان بحرّيته، هذه الحرية جعلت منه جوهرة فلسفية من بلد صغير مثل لبنان يلعب دوراً مميّزاً في اصدار شرعة حقوق الانسان وصياغتها ومضمونها والبناء الفلسفي لها، ووضع مقدمتها، وهنا يكمن دور الفرد وابداعه وقدراته في التأثير لصالح قضيته”. بما معناه ان رأي مالك هو ان حماية لبنان تتم بالحفاظ على الحريات والحقوق فيه
ونقلاًعن الكاتب أيضاً، اذ ينقل لنا حرفياً كلام مالك :” انني قلق بالنسبة للوضع في لبنان ومستقبله، فهو بحاجة لحماية من دولة كبيرة ولا يجد من يدعمه، فرنسا ضعيفة، وبريطانيا لا تفكّر الّا بمصالحها وتستغلّ الآخرين، أمّا روسيا … فشيوعية (وهو ليبيرالي الفكر كما ذكرنا آنفاً – اي ستفرض روسيا نظامها الشيوعي مقابل الحماية والمساعدة – وكان يعتبرها حدّاً للحرية مما يهدد كيان لبنان المتميّز بالحرية)، وامّا اميركا فإنّها تحيل كل الامور الى الامم المتحدة ولا تقدم على أي تدبير خارج حدودها الّا في اطار المنظمة الدولية، والعالم العربي ضائع يحتاج الى دعم وفاقد الشيئ لا يعطيه”. فانطلاقاً من هذه النقاط الثلاث رأى شارل مالك ان على شرعة حقوق الانسان ان تلعب دورها الدولي في الحفاظ على حقوق البشر ومنها الحقوق السياسية ومن خلالها على المجتمع والدولة
ولكنّه ومع الأسف توفي عام 1987 ولم يرى هذه الشرعة تُطبق ولم تحظى بالدعم الدولي الكافي لحماية الافراد والمجتمعات والدول لأن العالم كان بين معسكرين كما اشرنا سابقاً وفي انقسام عامودي وفي حربٍ باردة
شارل مالك الدبلوماسي وسفير لبنان لدى الولايات المتحدة الاميريكية
شغل شارل مالك كما قلنا منصب سفير لبنان لدى الولايات المتحدة الاميريكية، وكان واضحاً تقرّبه من السياسة الاميريكية الليبيرالية والعلاقة الوطيدة معها. ولعلّ ابرز ما جاء في هذه العلاقة اثناء تولّيه المهام الدبلوماسي هو انّه اقتنع او توافق مع رأي ميشال شيحا صاحب مقولة لبنان سويسرا الشرق، وواضع دستور 1926 مع بترو طراد وعمر الداعوق، الذي كان يأمل بالحماية الفرنسية والتحالف مع الغرب وانشاء اقتصاد حر في لبنان، انّ القوة المرشحة للسيطرة في السنوات القادمة هي الولايات المتحدة الاميريكية وحتماً سيتراجع الدور البريطاني تدريجياً. فدعا شيحا ان يعطي لبنان امتيازات خاصة لها، وطلب من مالك التواصل مع الخارجية الاميريكية لانشاء حلف خاص مع لبنان بما في ذلك حلف دفاعي، يتضمن اتفاق تجاري مع انشاء قاعدة عسكرية، لكن رفضت اميركا الطلب معتبرةً ان المنطقة بريطانية ولا يريدون زعزعة العلاقات مع المملكة
هذا الامر لا يوجز مالك الدبلوماسي لأن مكانته الدولية طبعاً لم تكن وليدة الصدفة، فمن الواضح انّه كان دبلوماسياً ومفاوضاً من المستوى الرفيع
في دراساتي الخاصة، عندما يتعلّق الأمر بالعمل الدبلوماسي أعمد الى مقاربة الاشخاص في المهام مع أمير الدبلوماسية في اوروبا الفرنسي شارل موريس دو تاليرلن بريغور، كونه بالنسبة لي المعيار في الدبلوماسية
في مقاربة الشارلين في بعض المحطات نجد نقاط التقاء
ففي ندوة شارك فيها القس حبيب حيدر وهو احد اقرباء مالك، جاء في كلمته :” علمني شارل مالك انه: يجب أن نعرف كيف يلتقط الانسان اللحظة التاريخية، وان يتعاطى بجرأة وواقعية وشجاعة ومعرفة وجدّية وبأسلوبٍ علمي مع الحدث الذي هو فيه. فإن نجح في اقتناص الفرصة لأنّه قرأ الفرصة صح، فعليه ان يؤمّن الاستمرارية، ولكن ان خسر فعليه ان يعرف لماذا خسر، وأين خسر، وعليه ان يعيد النظر بموقفه.” 3 في قراءة الفرص التاريخية في السياسة يقول تاليران لأحد اعوانه في مؤتمر فيينّا عام 1814 :”عليك تحسس نسيم السياسة من خلف اذنيك وتعرف اتجاهه وتفهم المتغيرات … وتبني عليه توجهاتك القادمة
وفي المؤتمر عينه استطاع تاليران ان يضع فرنسا المهزومة في صفاف الدول المقرّرة، وذلك من خلال نجاحه في وضع فرنسا على التقاطع (التقاطع في العلاقات السياسية الدولية بالابتعاد عن تقاطع المصالح بالأعتباره ان المصالح تتلاقى ضد فرنسا، وان الاهم هو خلق دور ما لها في الاوضاع الراهنة). اذا قابلنا هذا الامر مع شارل مالك نرى أنّه استطاع ان يضع لبنان الحديث النشأة على الساحة وتقاطع الادوار في ما يخص حقوق الانسان، وربما كان الفضل لكفاءته على ان يكون كونه يمثّل بلاده
لا بد لنا ايضاً في مستهلّ هذه المقاربة أن نستعين بالفيلسوف الايطالي نيكولو ماكيافيلي في Etre et Paraître ، اضافة الى اعتبار تاليران ان الخطاب هو لإخفاء الحقيقة، نلاحظ أن مالك حاول دوماً الى اظهار لبنان كبلدٍ مثالي. وقد يكون ذلك صحيحاً بالنسبة للشرق امّا بالنسبة للغرب فالمعايير يمكن أن تختلف
في لقاءٍ تلفزيوني يصف مالك الوضع الداخلي اللبناني بالانسجام التام بين الطوائف التي تختلف في وجهات النظر والتوجّه، اذ اعتبر ان المسيحيين يتّجهون نحو الغرب والعلاقات معها أمّا المسلمون فتوجّههم عربي، وهذا ما يضفي غنىً على الحياة اللبنانية في كل المجالات ويمكن ان يكون مثالاً يحتضى به كرسالة تعايش الى جميع الشعوب، فلا تكمن اهمية الدولة في كبرها اوقوّتها وقوّة اقتصادها فقط، بل للثقافة دورها ايضاً لمشاركتها مع الآخرين
غير ان وصفه للواقع لم يكن دقيقاً لأن لم يكن جميع المسيحيين وجميع المسلمين في لبنان كما وصفهم، وان الاصطفاف الذي رسمه ليس نهائي. ولكنّه اخفى الحقيقة واظهر حقيقة غير كافية، بالتالي الصورة الجمالية للعيش والتعايش في لبنان
فبالمحصلة، إن هذه المزايا في الشخصية الدبلوملسية لدى مالك، قد يعتبرها البعض علماً أو فنّاً أو معرفةً أو مهارةً، ولكن يتفق الجميع على أنّها تميّزاً
قبل الولوج في الموضوع الثالث عن شارل مالك وعلاقته بالدين ورجاله، وعمله السياسي في لبنان، نودّ ان نضيف مفارقة بسيطة مع تاليران ، على أن هذا الاخير كان اسقفاً، وبسبب المامه وحبّه للعمل السياسي استقال من منصبه الديني وانطلق في الاتجاه الآخر
شارل مالك والايمان وحياته السياسية في لبنان
ربما يتساءل البعض لمَ الدمج بين الدين والسياسة والتدين في عنوانٍ واحدٍ، الّا انّه في لبنان قلّما ينفصل الدين عن السياسة بسبب التركيبة الطاائفية المتنوعة والتي لاقت حريتها في لبنان من حيث الاعتراف بها وممارسة شعائرها المصونة في الدستور، المادة 9 و 10 ، مقارنةً مع دول المنطقة حيث مواطنون على درجات، كما ايضاً ارتبطت الطوائف بالسياسة للحفاظ على هذه السلطة المزدوجة والتي تكون موقّرة ومحط احترام، لذا نرى دور رجال الدين في المحطات التاريخية بوجه الخصوص في الايام الاولى للجمهورية الاولى
بالعودة الى مالك، كان قريباً من كنيسته وملتزماً بها، ومتقرّب من الكنيسة المارونية، ويتكلم عن هذا الارتباط الدكتور انطوان نجم 4 بوصفه انّها علاقة ذات عدّة ابعاد: ديني، اخلاقي وايماني، ومن ناحية أخرى فلسفي، وثالثاً سياسي واجتماعي. كما انّه عوّل مالك على دور رجال الدين في العديد من الامور والمحطات في تاريخ لبنان، لذا كان يرى انّه من الضروري الحفاظ على هذه الميزة والدور للطوائف في لبنان وما تمثل من ثقافات شرقية وغربية، كي تكون صورة مجسّدة عن التقاء الثقافات وتعايشها والذي دافع عنها في اجتماعاته ولقاءاته في الخارج وبعيد اعلان شرعة حقوق الانسان
الّا ان شارل مالك الليبيرالي، التقى ايضاّ بالافكار والمقاربات الاميريكية التي تسعى الى تأمين المزيد من الحريات الفردية، لاسيما الحرّيات التي اطلقها الرئيس الاميريكي فرنكلين روزفلت عام 1941 التي سمّها الحريات الاربعة وهي
حرية الرأي والتعبير
حرية العبادة
التحرر من الحاجة
التحرر من الخوف
واعتبرت الاوليين هما الاساسيتين، اذا كانت الحرية الثانية المذكورة ركيزة لمالك لنص هذه الحرية في الاعلان العالمي لحقوق الانسان وبالتالي ارساء النموذج اللبناني، وتأمين غطاء قانوني دولي للاقلايات في الشرق لتأمين استمرارحياتها ووجودها
امّا عمله السياسي في لبنان استمر لعام 1958 حتى نهاية عهد الرئيس كميل شمعون، ومن ثم لم يستلم اي منصب وزاري، وفي العام 1976 ساهم في تأسيس الجبهة اللبنانية وكان من منظريها. و من اوائل من اشار الى دور عمل الطوائف في التحولات السياسية في لبنان والمنطقة
هكذا حمل مالك لبنان في داخله وتفكيره الى الخارج، واتى بالافكار التحررية من الخارج الى لبنان، آمن بأهمية استمرار الصيغة اللبنانية الجامعة لعدة مفاهيم وفلسفات، بل ربط حياة الدولة بالحريات المذكورة اذ اعتبر قوّة لبنان بين دول الشرق تكمن في الحرية التي كانت مفقودة آنذاك في باقي الدول
شارل مالك فيلسوف ذات شخصية جدلية واستثنائية. يقول الباحث المحامي فادي مصري بأنّه من الشخصيات العشرين المؤثرة في تاريخ لبنان، لما قدمّه لوطنه حديث النشأة والاستقلال من مكانة في المجتمع الدولي 5