الممارسة والأدوات المُتاحة
مقدّمة
يُعتبر اكتشاف النفط والغاز الطبيعي في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسّط بُشرى سارّة للدّول الساحليّة. على الرّغم من التحدّيات التي تواجهها الأخيرة في الوقت الراهن،(1) لا زال أمامها فرصٌ واعدة وتفاؤل عميق في المزيد من الاكتشافات للمكامن البتروليّة البحريّة. عمومًا، إنَّ البنية التحتيّة للتنقيب عن الغاز الطبيعي ونقله إلى شواطئ الدّولة الساحليّة، خاصّة منصّات الحفر،(2) تشكّل أصلًا استراتيجيًّا لتلك الأخيرة
يُعد الانضمام إلى الفرص التي تمّ إنشاؤها من خلال اكتشاف رواسب البترول في البحر والإمكانات الناتجة عن استخراجها مخاطر أمنيّة كبيرة لمنشآت البترول. قد تقع هذه المنشآت في منتصف البحر، قريبًا من سواحل الدّولة المضيفة (ضمن البحر الإقليمي)،(3) أو بعيدًا عن سواحلها ضمن الجرف القارّي أو المنطقة الاقتصاديّة الخالصة،(4) وقد تصبح هدفًا لهجماتٍ إرهابيّة. بالإضافة إلى الخسائر في الأرواح البشريّة القائمة على متن منشآت البترول، قد يكون لمثل هذا الهجوم عواقب وخيمة. من الناحية الاقتصاديّة على سبيل المثال، يمكن أن تكلّف إعادة بناء منشأة بحريّة متضرّرة مئات الملايين من الدولارات. كما يؤدي انقطاع ضخ البترول حتى إعادة بناء البنية التحتيّة إلى خسائر إقتصاديّة فادحة. علاوة على ذلك، قد يكون لهجومٍ من هذا النوع عواقب استراتيجيّة وخيمة؛ فهو قادرٌ على إحداث تأثير شديد على إمدادات الطاقة للدّولة الساحليّة، بالنظر إلى الاعتماد على البترول، خاصّة الغاز الطبيعي لإنتاج الطاقة الذي من المتوقّع أن يزداد مع مرور الوقت. إنَّ التحدّيات التي تواجهها الدّولة الساحليّة في حماية المنشآت ليست فقط نتيجةً لبُعد الأخيرة عن شواطئ الدّولة، إنّما ناتجة عن حقيقةٍ مفادها بأنَّ المنشآت تقع في منطقة تكون فيها صلاحيات الدّولة الساحليّة محدودةً بموجب القانون الدّولي، وهي مقيّدة غالبًا بالحق في استغلال الموارد الطبيعيّة.(5)
من جهةٍ أخرى، قد تصطدم منشآت البترول البحريّة بالسفن والهياكل البحريّة الأخرى، الأمر الذي قد يؤدّي إلى خسائر في الأرواح والممتلكات، فضلًا عن التلوّث البحري والأضرار الاقتصاديّة الأخرى. على سبيل المثال، في الفترة الممتدّة من سنة 1973 إلى 1995، تمّ تسجيل ما مجموعه 463 حادثة اصطدام السفن بمنشآت البترول البحريّة فوق الجرف القارّي للمملكة المتّحدة.(6) من الواضح أنَّ الهجمات المتنوّعة(7) على منشآت البترول البحريّة(8) والتدخّل فيها قد ازداد بشكلٍ عام في السنوات الأخيرة، خاصّة في الدّول غير المستقرّة اقتصاديًّا وسياسيًّا،(9) حيث تمّ ارتكاب مثل تلك الهجمات/ التدخلات من قبل أنواعٍ مختلفة من الخصوم بما في ذلك الإرهابيون، المتمرّدون، القراصنة، الناشطون البيئيون والمناهضون للنفط وغيرهم من الجُناة
انطلاقًا ممّا سبق، تسمح اتفاقيّة الأمم المتّحدة لقانون البحار للدّولة الساحليّة باعتماد قوانين وأنظمة تتعلّق بالمرور البريء عبر البحر الإقليمي المتعلّقة بحماية المنشآت البحريّة.(10) كما يُسمح للدّولة الساحليّة بإنشاء مناطق أمان حول المنشآت البتروليّة فوق الجرف القارّي والمنطقة الاقتصاديّة الخالصة لضمان سلامة كلٍّ من المنشآت الملاحيّة والبحريّة.(11) بالإضافة إلى ذلك، يتطلّب بروتوكول لندن لعام 2005 المتعلّق بقمع الأعمال غير المشروعة الموجّه ضدّ سلامة المنصّات الثابتة(12) أن تنص الدول الأطراف على عقوبات مناسبة لأي عمل غير قانوني موجّه ضدّ المنشآت البحريّة. كما اعتمدت المنظمة البحريّة الدوليّة أنظمة ومقرّرات معيّنة لضمان سلامة منشآت البترول ولمنع التعدّي على مناطق الأمان حول المنشآت أو الهياكل البحريّة.(13) تأسيسًا على ما تقدّم، تتمثّل أهداف البحث موضوع الدراسة في تسليط الضوء على مسألة حماية منشآت البترول البحريّة، وفقًا للممارسات الدوليّة، حيث تستوضح الإطار القانوني ذي الصلة وتحديد المصطلحات الأساسيّة المطلوبة لتحليل قانوني لمسألة الممارسة، كما تستوضح الأدوات القانونيّة المتاحة للدّولة الساحليّة من أجل التعامل مع التهديدات العامّة. تكمن أهميّة هذه الدراسة عمليًّا في تحليل النصوص المختلفة للأسس القانونيّة المُتّبعة في حماية الدّولة الساحليّة لمنشآت البترول البحريّة (المتحرّكة والثابتة) بموجب أحكام الممارسات الدوليّة، وذلك عبر تسليط الضوء على أهم الاتفاقيّات الدوليّة
إنطلاقًا ممّا تقدّم، تُطرح إشكاليّة هذه الدراسة حول آليّة تعامل أحكام الاتفاقيّات الدوليّة في تحديد مدى سلطة الدولة الساحليّة في حماية منشآت البترول البحريّة من الهجمات المختلفة على ضوء الأدوات القانونيّة المُتاحة
بناءً على ما تقدّم، سترتكز دراستنا على تحليل حقوق الدّولة الساحليّة في تنظيم المرور البريء من أجل حماية المنشآت البحريّة (1)، بعد ذلك سيتمّ دراسة مسألة مناطق الأمان حول منشآت البترول (2)، لاحقًا سيتمّ دراسة أحكام بروتوكول 2005 وقرارات المنظّمة البحريّة الدوليّة (3)، من ثمّ سيتم التعامل مع ممارسات الدول المتعلّقة بحماية منصّات البترول (4)، وستُختتم هذه الدراسة باقتراح نهجٍ مفضّل للنظر فيه حيث يتعلّق بسلامة منشآت البترول البحريّة وفق الاتفاقيّات الدوليّة