نظم المشرّع اللبناني العلاقات العقدية ووضع لها أصولًا و مبادئ لا يمكن لأي متعاقد أن يحيد عنها وأعطاها الصفة الآمرة، إلّا أنه لم يحِد عن المبادئ العامة للقانون التي قضت بحرية التعاقد بين الأشخاص ، و جعل العقد شريعةً للمتعاقدين فهو ملزمٌ لأطرافه لناحية التزاماتهم وسري عليهم دون الغير من جهة، ولناحية إلزام القوانين لهم في بعض الحالات من جهة أخرى. وللعقود مراحل عدة، تبدأ من التخطيط و التحضير للتعاقد أي ما يعرف بمرحلة المفاوضات، مرورًا بلحظة الإبرام، و منها الى التنفيذ، و الجدير بالقول أن المشرع اللبناني في قانون الموجبات و العقود وضع لكل مرحلة من هذه المراحل أصولًا وإلزامات ألزم بها كلّ الأطراف، ووضع عقوباتٍ ومسؤوليات مدنيةً على كلّ مخلّ ومسيء. وسيتضح لنا في بحثنا هذا أن موجب حسن النية واحدٌ من أهم الموجبات التي لا يمكن الاستغناء عنها في أي مرحلة أو صفقة أو اتفاق بين الأشخاص
العقد: مرحلة المفاوضات
شكّلت مرحلة المفاوضات أهميّة كبيرةً منذ بدابات سبعينات القرن الماضي حيث لم تكن معروفةً في السابق كثيرًا، لكن مع تطور الصناعات العالمية و افتتاح الأسواق الدولية على بعضها البعض, و مع توسّع مفهوم العقود الدوليّة و بروز فكرة العولمة و ظهور الشركات المتعددة الجنسية التي أصبحت منتشرةً في غالبية الدول، و خصوصّا مع تزايد العقود الدولية وانتشارها بشكل واسع عبر القارّات, كان لا بد من أنظمةٍ قانونية تضع لهذه التبادلات التجارية قواعد ترعاها حمايةً للمتفاوضين تمهيدًا لإبرام العقود، خصوصًا أن مراحل التفاوض التي تتم بين الشركات الكبرى الدولية تأخذ حيّزًا واسعًا من الوقت قد يستمر لشهور أو لسنوات فكلّما تزايدت أهمية العقود التي يسعى المتفاوضين الى إبرامها كلًما كانت مرحلة المفاوضات فيها أطول وأدق
و من المعلوم أنه بناءً لما جاء به المشرّع اللبناني، فإن العقد شريعة المتعاقدين، و أن الأفراد أحرارٌ في الدخول في أي عقدٍ (حرية التعاقد) وفق ما تقتضيه مصالحهم الخاصة، و لهم أن لا يدخلوا في التعاقد إن لم يكن على قدر آمالهم و تطلّعاتهم، لكن هذا المبدأ الذي كرّسه القانون المدني اللبناني لا يعطي للأشخاص حرّية قطع المفاوضات بشكلٍ ضارّ و تعسّفيٍّ بعيدًا عن حماية المتضرر، فقد جعل المشرّع نفسه حاميًا (الأمان القانوني) لكلّ من تضرر من إساءة استعمال الفريق الآخر لحقّه بشكل تعسفيٍ، وهنا تكمن صعوبة مرحلة المفاوضات والنظام القانوني المطبّق عليها، و هي إلزام المتعسّف باستعمال الحقّ بقطع المفاوضات بالتعويض عن الضرر الذي تسبب به للطرف الآخر، ونظرًا الى صعوبة هذه المرحلة ودقتها نجد أن الأحكام فيها قليلةً وذلك يعود إلى قلّة الدعاوى المتعلقة بنزاعاتٍ ناشئة عن التفاوض لعدم الإحاطة والدراية بهذه المرحلة لدى الكثير من القانونيين
حرية التعاقد و الأمان القانوني، مصطلحين بعيدين من حيث اللغة عن بعضهما البعض، لكن الإشكالية خلال مرحلة المفاوضات تنتج عن التنازع بين هذين المصطلحين، فبالرغم من كونهما بعيدين عن بعضهما لغةً، إلا أن المشرّع احتفظ بالأمان القانوني للمتفاوضين من تعسف الشخص حيال تطبيق مبدأ حريّة التعاقد
إن حرية التعاقد تقضي بأن الأشخاص أحرارٌ في ترتيب علاقاتهم القانونية بالطريقة التي تناسبهم شريطة التقيد الآداب العامة والنظام العام والقوانين، أما الأمان القانوني فهو الحماية القانونية التي منحها القانون للمتفاوضين في المرحلة السابقة للتعاقد
و بموجب هذين المبدأين، فإن حرية التعاقد تتقلص كلّما تقدمت المفاوضات، كماأن المفاوضات غير المتقدمة لا تنشئ أي موجب على الأشخاص و يمكن لأي طرف قطع المفاوضات طالما أنها لم تتقدم، لكن الموجب الأساسي في هذه المفاوضات كما غيرها من الإلتزامات هو موجب حسن النية، فلا يستغنى عن هذا الموجب منذ اللحظة الأولى للدخول في المفاوضات و حتى الانتهاء من تنفيذ العقد المبرم
نص القانون اللبناني على إلزامية الدخول الى المفاوضات بحسن نية، و اعتبر هذا المبدأ أساسي ويطبّق في المرحلة السابقة الى التعاقد و عند الإبرام وعند التنفيذ، في القانون الأنغلوساكسوني (أميركا – بريطانيا) لم يأخذ المشرع بحسن النية كمبدأ ملزم لأطراف العقد واعتبر أن الشخص يفعل بحرية تامة ما يريد، أما القوانين الرومانوجرمانية فقد ألزمت المتفاوضين و المتعاقدين بمبادئ أخلاقية و بموجب حسن النية
و السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، ما مدى انسحاب هذا المبدأ في التطبيق على مرحلة ما قبل الانعقاد، أي مرحلة المفاوضات، وكذلك في مرحلة إبرام العقد وأيضاً في مرحلة تنفيذه في حال نشوء خلاف حول تفسير بنود العقد أو أحد بنوده، سيما وأن القانون قد نص صراحة على أن تنفيذ العقود يجب ان يتم بحسن نية؟و للإجابة على هذا التساؤل لا بد من البحث في المراحل الثلاث الخاصة بإبرام العقود
كما ذكرنا أن التعاقد يمرّ بمراحل ثلاث، مرحلة المفاوضات وهي المرحلة السابقة للتعاقد، ومرحلة إبرام العقد، ومرحلة تنفيذ الموجبات التي تضمنها العقد، وهناك نوعين من المفاوضات
اوّلاً, المفاوضات غير التعاقدية: قد تتم بطريقة شفهية بين الأطراف وقد تتم بموجب تبادل الرسائل أو الكتب
ثانياً, المفاوضات التعاقدية: قد يتم تنظيمها بموجب عقود، و تسمى هذه العقود عقودًا تحضيريةً، لأنها تطبق فقط في مرحلة المفاوضات، و يدرج فيها الفرقاء عادةً المبادئ التي ترعى المفاوضات، و تظهر أهميتها في مضمونها و ليس في عنوانها، وقد يدرج فيها الفرقاء مثلًا بندًا يتعلق بالسرية، و قد يدرج فيها بندًا للأشخاص المفاوضين ومكان المفاوضات والحالات التي يحق في ظلها للأشخاص أن يقطعوا المفاوضات ونحو ذلك من الأمور التي تنظم و ترعى المفاوضات
المفاوضات خارج العقد
الموجبات المترتبة على الفرقاء خلال مرحلة المفاوضات غير التعاقدية
تقسم الموجبات المترتبة على المتفاوضين بحسب تسلسلها الزمني الى موجبات خلال المفاوضات وموجبات بعد انتهاء التفاوض
الموجبات المترتبة خلال المفاوضات
إن الموجبات المنصوص عليها في هذه المرحلة مستمدّةً من موجب حسن النية، و هذه الموجبات هي موجب الإعلام وموجب الحفاظ على سرية المعلومات المتبادلة، إضافة الى الحصرية خلال المفاوضات إنما ذلك يبرز في بعض الأوقات ضمن ضوابط معينة سنتطرق إليها في معرض كلامنا
فيما يتعلق بموجب الإعلام فهو مستمدٌ من موجب الإستعلام، بل جاء موجب الإعلام كاستثناء على موجب الاستعلام، و هذا هو الأصل
يقول الدكتور محمد ضرغام (أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية – دكتوراه دولة في الحقوق): يحتل الإلتزام بموجب الإعلام قبل العقد أو في أثناء تنفيذه مكانة كبيرة في نطاق العقود كافّة، وذلك لما له من أهمية كبيرةٍ في تنوير رضا الراغبين في التعاقد بكل المعلومات الجوهرية المتصلة به قبل الدخول بالعقد أو خلال مرحلة تنفيذه، إذ لا يتسنى للمتعاقد العلم بهذه المعلومات بوسائله الخاصّة من خلال ما يلقى عليه من واجب الإستعلام
اذًا الأصل أنه على من يتفاوض مع شخص بهدف إنشاء أي علاقة أو تصرف قانوني أن يبذل العناية الكافية والكاملة وأن يسعى جهده للحصول على المعلومات الكافية حول الشيء موضوع التفاوض، وذلك تمهيدًا لاتخاذ القرار المناسب بالنسبة إليه، و مصدر هذا الموجب هو مبدأ حرية التعاقد، حيث يقوم جوهر هذا المبدأ على أن الشخص يبحث عن أفضل عقد وأفضل فرصةٍ وأفضل صفقةٍ شريطة التقيد بالقوانين و الأنظمة وعدم إيقاع الضرر بالغير
إن أي تقصير بتنفيذ موجب الإستعلام، يجعل الشخص المقصّر مسؤولًا عن ذلك ولا يرتب تقصيره هذا أي مسؤولية على الطرف الآخر، إذ لا يمكن للشخص أن يستفيد من خطإه القانوني، والإستعلام هو موجب على المتفاوضين وهو الأساس، و التقصير به قد يؤدي إلى إيقاع الضرر بالمقصر، أي ينعكس عليه سلبًا، و بذلك لا يمكن تحميل الطرف الآخر أية مسؤوليةٍ عن الضرر الذي لحق بالطرف المتضرر نتيجة الإخلال بذلك
يقع موجب الاستعلام على عاتق المشتري ولكن يمكن للمحكمة وبما لها سلطة تقدير وحيث انه بالمقابل ان المبيع صنف جديد تم انتاجه من قبل الشركة البائعة، فانه يقع ايضا على عاتق هذه الشركة موجب اعلام المشتري عن كيفية المحافظة عليه وتخزينه، لا سيما وانه لم يتبين انه توجد في السوق اي منتوجات مشابهة وان طريقة حفظها وتخزينها مألوفة ومعروفة بشكل طبيعي
محكمة الاستئناف المدنية – بيروت في قرار رقم 952 تاريخ 02/07/2009
المادة 10 من قانون حماية المستهلك: يتوجب على المحترف و/او المصنع الذي يعرض سلع مستعملة او مجددة او معيبة أو تتضمن عيبا لا ينتج عنه اي ضرر على صحة المستهلك وسلامته، الاعلان عن حالة السلعة المذكورة بشكل ظاهر وواضح على السلعة وكذلك في المكان الذي يمارس فيه نشاطه وعليه ان يشير الى ذلك سواء في العقد الذي قد ينظمه أو على الفاتورة التي يُصدِر
لكي يؤخذ بالخداع كسبب لإبطال العقد يجب أن لا يكون بإمكان من مورس عليه الخداع أن يطّلع على الحقيقة نتيجةً لما أحيط به من تضليل و كذب، بحيث تعذّر عليه الإحاطة بالحقيقة بالظروف التي أحيطت به
محكمة التمييز اللبنانية – اجتهاد رقم 11 1993 – العدل
و عليه لا يمكن أن نبطل عقدًا أبرم وتذرع أحد أطرافه بالخداع طالما أنه كان بإمكانه أن يقوم بتنفيذ موجب الإعلام وأنه هو من قصر بهذا الالتزام الذي ألقاه القانون على عاتق المتفاوضين ولا يمكن التملص منه والاحتجاج بالخداع والمطالبة بالإبطال لهذه العلة. لم يلزم القانون البائع بأي تعويض ولم يحمله أية مسؤوليةٍ عن العيوب الظاهرة التي يمكن أن يكتشقها الشاري بنفسه، بل رتب مسؤولية البائع عن العيوب الخفية في الشيء المبيع، وهذه العيوب هي التي لا يمكن للمشتري أن يكتشفها بنفسه ما لم يقم بإطلاعه على هذه العيوب،وهنا تترتب مسؤولية البائع في الإخلال بموجب الإعلام، فعلى كل طرف من أطراف المفاوضات أن يطلع الطرف الآخر بالمعطيات والمعلومات الأساسية التي لا يمكن له الإطلاع عليها حتو لو قام بإتمام موجب الإستعلام على أكمل وجه. إذًا يبرز موجب الإعلام استثناءً على موجب الإستعلام، وذلك في الحالة التي لا يمكن المشتري من الإطلاع على كافة المعلومات التي تهمه فيما يقدم على التعاقد عليه رغم بذل كلّ جهدٍ للحصول عليها والهدف الأساسي من هذا الإلزام بموجب الإعلام، هو حق المتفاوض بمعرفة المعلومات الهامة و الحساسة عن الشيء موضوع التفاوض تفاديًا للوقوع في فخ الخداع و تطبيقًا لمبدأ حرية التعاقد
فموجب إعلام الطرف الآخر يبرز عندما لا يكون باستطاعة الأخير مهما بذل من جهدٍ أن يحصل على المعلومات المهمة و الكافية و الأساسية، و عدم تنفيذه في هذه الحالة بقصد دفعه الى التعاقد في ظروفٍ ما كان ليقدم على التعاقد لو أنه علم بحقيقة الأمر يسمّى كتمانًا خادعًا، و يتساوى الكتمان الخادع بحسب المشرع أن يكون من ترتب عليه موجب الإعلام ورغم ذلك كتم المعلومات المهمة، أو القيام بتقديم معلومات خادعة كاذبة حول الشيء موضوع التعاقد، وكلا الحالتين متساويتين و ترتبان مسؤولية الكاتم أو الكاذب و تسميان كتمانًا مخادعًا. يقول الدكتور ربيع منذر (رئيس قسم القانون الخاص في الجامعة اللبنانية الفرع الأول): إن هذا الموجب ( موجب الإعلام) يستند إلى مبدأ الحرية التعاقدية، وحرية الخيار في الحقيقة لا يمكن أن تكون حقيقيةً إلا إذا كانت مستندة إلى معلومات صحيحة وكاملة حول موضوع المفاوضات، فعدم المساواة بين المتفاوضين بتبادل المعلومات فيما بينهم يؤدي إلى فساد الرضى وبالتالي فساد العقد، وهذا الأمر يشكّل كتمانًا مخادعًا بقصد دفع الطرف الآخر الى التعاقد في ظروف ما كان ليقدم في ظلها على التعاقد لو اطّلع عليها
بناءً لكل ما تقدم، يمكن استنتاج شرطين أساسيين لقيام موجب الإعلام على عاتق الأطراف، وهذين الشرطين لا يسمحان بالتذرع بالكتمان الخادع ما لم يتوفّرا: أهمية المعلومات المتبادلة و مشروعية جهل الدائن
فبناءً لأهمية المعلومات المتبادلة ومشروعية جهل الدائن يبرز موجب الإعلام، فهذه المعلومات المهمة التي من شأنها أن تؤثر في قرار الفريق الآخر لناحية التعديل أو العدول أو التغيير هي التي تؤدي إلى ترتيب موجب الإعلام إذا كان الدائن به جاهلًا بهذه المعلومات بشكل مشروع ومبرر قانونًا، أي أن جهله غير ناتج عن التقصير في تنفيذ موجب الإستعلام، و يكون ذلك بتوافر أمرٍ من اثنين
اولاً, إذا كان الجهل ناتجًا عن صعوبة جدّية للحصول على هذه المعلومات واكتشافها رغم عدم التقصير بموجب الإستعلام و بذل الجهد في سبيل تنفيذه. ثانيةً, للعلاقة الوثيقة بين المتفاوضين التي تؤدي الى تولّد ثقة مميزة تربط الدائن و المدين، و تجعل من الأول واثقًا بالمعلومات التي قدمها الآخر
في دراسة بحثية عُرِضَت في العدد الرابع من السنة السادسة من مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية حول المرحلة السابقة للتعاقد، تناول الباحثين في خلاصتها مرحلة المفاوضات وفق ما يلي
قد يكون الطرف المتفاوض سيئ النية ولا يقصد إبرام العقد التجاري الدولي, بل يهدف إلى غرض أخر كالإطلاع على الأسرار المهنية والفنية أو تفويت فرصة التعاقد لهذا الطرف، وفي المقابل نجد إن اعتبارات العدالة ومقتضيات المنطق تستدعي وضع ضمانات للطرف الآخر الذي يرغب بالتعاقد معه , تتمثل هذه الضمانات بمجموعة من الإلتزامات السابقة على التعاقد التجاري الدولي , منها الإلتزامات بالتفاوض بحسن النية في التفاوض, الإلتزام بالإعلام , والإلتزام بالسرية
ومن هذا الرأي ننتقل الى الموجب الثاني المترتب على المتفاوضين و هو موجب الحفاظ على سرية المعلومات المتبادلة
موجب الحفاظ على سرية المعلومات المتبادلة يستند الى موجب حسن النية الذي أشرنا إليه في معرض حديثنا، ولا يستغنى عن ضرورة توافر حسن النية في البلاد التي اعتمدت القانون الرومانوجرماني في جميع المراحل المتعلقة بالعقود سواء كانت قبل الإبرام أم بعده
و يؤدي موجب حسن النية الى نشوء موجبين هما اوّلاً عدم الكشف عن المعلومات و ثانياً عدم استعمالها و استغلالها و استثمارها
وذلك حتى إبرام العقد، فبعد الإبرام يمكن للمدين أن يتحرر من عدم الكشف والاستعمال والاستثمار، أما خلال المفاوضات فذلك ممنوع على أطراف التفاوض. لكن وضع الفقه و الإجتهاد المعايير الأساسية للمعلومات السرية التي لا يمكن البوح بها أو استعمالها او استثمارها خلال مرحلة التفاوض، و هذه المعايير هي المعلومات التي تمنح صاحبها أفضلية تنافسية، و المعلومات الغير عامة التي لها قيمة إقتصادية تنافسية. لا يشترط أن تكون هذه المعلومات سرية بالمطلق، إنما يكفي أن تكون لها قيمة مالية إقتصادية أو أهمية تقنية ضرورية للإستثمار، ولا يشترط أن تكون سرية بالمطلق ولا يمكن أبدًا الحصول عليها ولكن يكفي أن يكون هناك صعوبة للحصول عليها لتكون محمية بموجب السرية. أما بشأن الحصرية، فمن المعلوم أن حرية التعاقد مطلقة في ظل القوانين والأنظمة كما أشرنا، ومن يطمح إلى التعاقد عادةً يبحث عن أفضل عرض ويكون ذلك عبر التفاوض مع عدة جهات بهدف تحقيق الهدف المنشود، ومن المعلوم أن الأصول في العمل التجاري تقضي بالبحث عن العرض الأنفع و الأكثر تميزًا مما يُنشئ منافسة بين الأطراف، حتى أن الدولة عندما تستدرج العروض تدرس العرض الأنسب و السعر الأربح لها و للخزينة العامة قبل الموافقة و يكون باب المنافسة مفتوحٌ أمام كل من تتوافر فيه الشروط المطلوبة، إذًا لغاية هذه المرحلة لا يبرز موجب الحصرية وهذا هو المبدأ العام. إن هذا المبدأ يخضع لضوابط، حيث أن استمرار المفاوضات بعد استبعاد العديد من العروض و حصر المنافسة بين عدد محدود من الأطراف تتوافر فيهم الشروط المطلوبة، فلا يمكن حينها أن يعمد مستدرج العروض أن يتفاوض مع غير هؤلاء إذ لا نية له للتعاقد مع غيرهم الأمر الذي يظهر سوء نية أثناء التفاوض، لذلك على مستدرج العروض أن يتوقف عن التفاوض مع الأطراف التي لا رغبة له أو نيةً للتعاقد معهم، و استكمال التفاوض فقط مع من يرغب باختيار أحدهم للتعاقد معه. بناءً لما سبق، إن الإستمرار بالتفاوض مع أحد الأطراف، رغم انعدام نية التعاقد معه أو رغم إبرام إتفاقات مبدئية مع طرف آخر مع إيهامهم بنية التعاقد معه، فذلك يعبر عن سوء نية المستدرج للعروض، و يرتب المسؤولية التقصيرية على فاعله
الموجبات في نهاية المفاوضات غير التعاقدية
تختلف الموجبات في هذه المرحلة بين المفاوضات غير التعاقدية المرتبطة بعقد أو غير المرتبطة بعقد و سنعمل على عرض كلٍّ منها بالتفصيل
الموجبات في نهاية المفاوضات غير التعاقدية المقترنة بعرض
العناصر الأساسية للعقد يتم تحديدها في العرض، والثمن هو من العناصر الأساسية، و المبيع هو ثاني العناصر الأساسية، ويكفي لنشوء العقد أن يقول المعروض عليه أقبل، أو لا أقبل لكي لا ينشأ العقد ويسقط العرض. بعد التطرّق للعرض و عناصر العقد، نشرع الآن بالحديث عن الموجبات المترتبة في نهاية المفاوضات الغير عقدية و المقترنة بعرض، فالمبدأ الأساسي أنه يمكن للعارض أن يرجع عن العرض متى أراد، ذلك بناءً لمبدأ حرية التعاقد، فلا يمكن أن يُجبر شخصٌ على الدخول في علاقة قانونية لا يرغب بها، وهذا ما يطبق في القانونين الفرنسي و اللبناني، فطالما لم يقترن العرض بالقبول لم ينشأ العقد و يمكن للعارض التراجع عن عرضه، ولا يمكن التراجع عنه بعد صدور القبول إذ إن العقد يتولّد من حيث المبدأ بمجرد اقتران العرض بالقبول، و قد فرّق الإجتهاد الفرنسي و الفقه اللبناني بين الوعد بالتعاقد و العرض. لقد رفض القانونين اللبناني و الفرنسي نظرية اعتبار العرض رابط إرادي لا يمكن الرجوع عنه والعارض ملزم بإبقاء العرض واستمراره باعتبار أنها تخفي التزام بالتعاقد، لكن هذه النظرية تطبق بشكل حصري في الوعد بالتعاقد الذي يكون من جهة واحدة فقط، لأن الوعد يمكن أن يكون وعدًا من جهتين ويمكن أن يكون من جهةٍ واحدة
إذً فالوفاة أو فقدان الأهلية أمرين مسقطين للعرض لكنهما لا يسقطان الوعد بالتعاقد الذي ينتقل الى الورثة بحصول أحد هذين الأمرين فالوعد بالتعاقد هو أمر ملزمٌ لمن صدر عنه ولخلفه من بعده. إن الوعد بالتعاقد هو من العقود التحضيرية، لذلك هو ملزم لأطرافه، ولو لم يكن العقد مكتوبًا إلا أن الكتابة لا تعني عدم وجود الموجب إذ إنها من وسائل الإثبات و ليست من حيث المبدأ بحد ذاتها وسيلةً لقيام الموجب، فعند قيام عقد معين تنتفي الحرية التعاقدية في شأن القيام بالموجبات من عدمه والتي تضمنها العقد، وأصبح تنفيذه لازمًا على أطرافه، بل إن الحرية التعاقدية هي مبدأ قائمٌ كرّسه المشرع اللبناني بأن للأشخاص الحق في اتخاذ الموقف الذي يناسبه لناحية الدخول أو عدم الدخول في علاقة تعاقدية مع الآخر، وبناءً على ذلك لا يمكن إلزام أحد بالدخول في عقدٍ ينشئ عليه موجبات ولا تناسبه أو لا يرى فيها مصلحةً لنفسه، ولكل من أطراف التعاقد أن يفكر بالعرض الذي تلقّاه فلا يمكن أن يتم إجباره على اتخاذ قرار متسرّع بالتعاقد الأمر الذي قد يندم عليه لاحقَا
وعليه، نوازن في مرحلة المفاوضات بين مفهومين، الأول هو الحرية التعاقدية التي تعطي للأفراد حرية الدخول في التعاقد من عدمه، وبين المفهوم الثاني المعروف بالأمان القانوني والذي يقوم على ضرورة منح المعروض عليه مهلة معقولة ليتخذ الموقف الذي يناسبه من مسألة التعاقد. إن مسألة المهلة المعقولة الممنوحة للمعروض عليه تقوم على أن عدم منحه هذه المهلة (عدم توفير الأمان القانوني) سيؤدي الى اتخاذ قرارات سريعة لأنه يكون قد حرم من مهلة معقولة تسمح له بالتفكير بالخيار الأنسب بالنسبة إليه، لذلك لا يمكن تطبيق مبدأ حرية التعاقد بشكل مطلق وبمعزل عن القيام بموجب تأمين أمان قانوني، فلا يمكن تفضيل الحرية التعاقدية على الأمان القانوني والعكس صحيح، فلا بدّ من قيامهما بشكلٍ متلازم، فتفضيل أحدهما على الآخر سيؤدي إلى نشوء عدم توازن في العقد وترتيب نتائج قانونية غير ملائة لأحد الأطراف. إن العرض بحدّ ذاته يعني تقدّم المفاوضات، لأن العرض هو التعبير الواضح للشخص برغبته بإنشاء علاقة ملزمة ويحدد الشروط الأساسية للعقد المنويّ عقده، و لا يصدر العرض عن العارض إلا إذا كانت لديه قناعة كاملة ورغبة بالتعاقد، وتنشأ هذه الرغبة وهذه القناعة كنتيجةً للفترة السابقة من المفاوضات، و صدور العرض سيؤدي إلى إنشاء ثقة مشروعة لدى المعروض عليه برغبة العارض بالتعاقد، وبمجرّد القبول صار العقد ناشئًا و ملزمًا للطرفين المتعاقدين، و الرجوع عن العرض خلال المهلة المعقولة أي قبل انقضاءها من قبل العارض دون أي سبب مبرر ومشروع يعني أنه خرق الثقة المشروعة لدى الطرف الآخرو تترتب مسؤوليته التقصيرية
خلاصة ما تقدّم حول العرض: لا بد من توفر مبدأين أساسيين، حرية التعاقد والأمان القانوني، ولا بد من قيام التوازن بينهما، فيمكن للعارض أن يتراجع عن عرضه متى أراد، إلا أن الأمان القانوني يفترض أن يكون العرض قائمًا لمهلة معقولة ليفكّر المعروض عليه بالعرض، ويسقط العرض متى تراجع عنه العارض ولم يكن المعروض عليه قد قبل به ولا يمكن إلزامه به، إلا أن الرجوع عنه ضمن المهلة المعقولة يعدّ خرقًا للثقة المشروعة الأمر الذي ينتج عن الإخلال بموجب تأمين الأمان القانوني ويرتب مسؤولية العارض التقصيرية لهذه الناحية. الوعد بالتعاقد أمرٌ مختلفٌ عن العرض، فالعرض يسقط بالتراجع عنه أو بالوفاة أو بفقدان الأهلية، أما الوعد بالتعاقد يبقى عقدًا قائمًا وملزمًا ولو بعد الوفاة و ينتقل إلى الورثة بالوفاة أو فقدان الأهلية
إذًا في إحدى هذه الحالات لا يمكن للعارض أن يتراجع عن عرضه، و كذلك لا يمكنه ذلك إذا قام بتحديد مهلة صريحة للمعروض عليه ليتخذ موقفًا من العرض تنفيذًا منه لتأمين موجب الأمان القانوني بشكل واضح كأن يقدّم عرضه و يعطي مهلة عشرة أيامٍ للمعروض عليه ليتخذ قراره. كذلك إذا كان الإيجاب في الأمور التجارية لا يمكن التراجع عنه من قبل العارض متى شاء، و الإيجاب بالمراسلة يمكن التراجع عنه قبل أن يصل الى المعروض عليه أي قبل أن تنشأ لديه ثقة مشروعة، أما إذا وصله فلا يمكن ذلك قبل انقضاء مهلة معقولة لأن ذلك يعني نشوء الثقة المشروعة و يقتضي تأمين الأمان القانوني للمعروض عليه
الموجبات في نهاية المفاوضات غير التعاقدية غير المقترنة بعرض
قد يحصل أن تتقدم المفاوضات دون أن تقترن بعرض، وتصل إلى مراحل نهائية قريبة من إبرام العقد دون أن يصدر أي عرضٍ عن أيٍّ من أطراف المفاوضات، فقد يكون هناك ما يفيد وجود العرض إلا أن العرض لا بدّ أن يتضمن العناصر الأساسية للعقد، فإن تم الإتفاق مثلًا على الكمية في الشيء موضوع التفاوض، و طريقة سداد الثمن لكن لم يتم الإتفاق على الثمن لا يكون ذلك عرضًا لأنه لم يتضمن ثمن الشيء المبيع والثمن هو أحد العناصر الأساسبة للعقد، لذلك عدم تحديد الثمن في العرض ينفي صفة العرض عنه، فلا يكون ذلك عرضًا. الأمر المهم في المفاوضات الذي لا يمكن أن يتم إغفاله هو أن المفاوضات سواء كانت مقترنة بعرض أم غير مقترنة بعرض يقتضي أن تكون هذه المفاوضات ضمن حدود حسن النية، و يلزم على المتفاوضين أن يقوموا بتنفيذ موجب أساسي هو موجب حماية الثقة المشروعة التي تنشأ لدى المتفاوضين. صحيح أن العرض هو أمرٌ مهم يؤدي الى تولّد ثقة مشروعة بالتعاقد لدى المعروض عليه، إلا أن الثقة المشروعة يستدلّ على وجودها بدلائل أخرى أيضًا، وهذه الدلائل إنما تدل على تقدّم المفاوضات في هذا النوع من المفاوضات ( الغير مقترنة بعرض) وهذه الدلائل تثبت قيام الثقة المشروعة، وعليه إن أي قطع للمفاوضات من دون مبرر جدّي ومشروع يعني خرقًا لهذه الثقة و يؤدي إلى تحمل من قطعها المسؤولية التقصيرية لعلّة إخلاله وخرقه للثقة المشروعة. يمكن قطع المفاوضات ولو كان هناك ثقة مشروعة دون ترتيب المسؤولية التقصيرية على من قطعها فقط في حال كان القطع مبررًا ويستند على أسباب جدية. بالرغم من حرية المتفاوضين بقطع المفاوضات قبل الوصول إلى العقد النهائي، إلا أن تقدم المفاوضات و تعدد التصرفات الإيجابية تسمح بنشوء ثقة مشروعة لدى المتفاوضين في إمكانية إبرام عقد، و تقدم المفاوضات هو تعبير عن إرادة المتفاوضين بالوصول إلى العقد النهائي، و يحق عندها لأي من المتفاوضين الاعتماد على صدق تعبير الآخر عن إرادته وهذه الثقة التي تنشأ هي التي تدفع كل من الطرفين إلى اتخاذ إجراءات كبيرة من شأنها ترتيب نفقات كبيرة واستثمارات مهمة ما كانوا ليستثمروها أو ليدفعوها أو ليقدموها في حال غياب هذه الثقة، والقانون وجد نفسه ملزمًا بحماية هذه الثقة التي تنشأ لدى الفريق الآخر بحسن نية ولها مبرر مشروع، وعليه فإن الموجب المترتب على المتفاوضين هو حماية الثقة المشروعة التي تنشأ فيما بينهم، و إن معيار الثقة هو معيار شخصي بالأساس لكن إضافة المشروعية عليه هي التي تعطيه الطابع القانوني وتحوله الى معيار معتمد فقهًا واجتهادًا ومشروعية العمل تحدد مدى انطباقه على أحكام القانون . لكي تكون الثقة مشروعة يجب تستند إلى معايير موضوعية خلال المفاوضات، فالثقة المشروعة تبدو كمعيار عام يعود للقاضي تحديد أطر تنفيذه على معايير موضوعية
المعايير التي يتم الاعتماد عليها لتحديد مشروعية الثقة الناشئة بين الأطراف في المفاوضات
أ- مدة المفاوضات و كمية المعلومات المتبادلة: إن مدة المفاوضات وحدها ليست كافيه لتحديد مدى تقدمها من عدمه، إنما مدة المفاوضات وكمية المعلومات المتبادلة دليل على جدية المفاوضات و تقدمها ووجود ثقة مشروعة لدى أطراف التفاوض.
ب- مشروعية الثقة المرتبطة بتصرفات المتفاوضين:قد يقوم أحد الأطراف بتصرفات تؤدي إلى نشوء ثقة مشروعة لدى الطرف الآخر أنه يرغب فعلًا بالتعاقد معه، فيقوم الأخير بتصرفات بناءً على هذا التشجيع بتصرفات معينة أي بناءً على الثقة التي أنشأها ذلك لديه، تمامً كما تقوم إحدى الشركات التي تتفاوض مع أخرى بحثّها على زيادة إنتاجها أو إدخال صنف جديد إلى منتوجاتها، فتقوم الشركة الثانية بالتصرف بشكل يلبي طلب الشركة المفاوضة وتتكبد مصاريف زيادة الإنتاج أو إدخال صنف جديد لوجود ثقة لديها بأن تلك الشركة ستتعاقد معها، فهنا تولدت الثقة المشروعة لدى الشركة المصنّعة من جراء تصرفات وتشجيع وتوصيات الشركة المفاوضة لها، ثم بعد كل ذلك تبلغ الشركة المفاوضة الشركة الأخرى بإبلاغها بعدم إمكانية إبرام عقد بسبب تغيير سياسة الشركة أو بسبب إعتماد منتجات مختلفة عن تلك التي أوصت باعتمادها، فبذلك تكون الشركة المفاوضة قد خرقت الثقة المشروعة التي تولّدت نتيجةً لتصرفاتها لدى الشركة الثانية وتكبيدها مصاريف زيادة الإنتاج ودفعها الى الاستثمار في أمور لا تريد الاستثمار فيها أساسًا إلّا أن هذه التصرفات التي ولدت لديها ثقة مشروعة بإمكانية الوصول إلى إبرام عقد معها هي التي دفعتها إلى ذلك، الأمر الذي يرتب مسؤولية الشركة المفاوضة على أساس المسؤولية التقصيرية
ت- الثقة المرتبطة بطبيعة المتفاوضين: إذا كان المفاوضات تتم بين مستهلك ومحترف، يمكن أن يؤدي ذلك إلى نشوء الثقة المشروعة لدى المستهلك، و تكون توقعاته أكبر من تلك التي تكون لديه عندما يتفاوض مع أشخاص عاديين، في حين أن الثقة التي تنشأ لدى الشخص المحترف في هذه المفاوضات هي بشكل عام أقل من تلك التي تنشأ لدى العاديين لأنه يصعب خداعه بسبب خبرته التي تكون واسعة، فإنشاء ثقة مشروعة لدى المحترف أصعب بكثير منها لدى الشخص العادي
لقد اعتمد الاجتهاد اللبناني هذه المعايير الثلاثة (مدة المفاوضات وكمية المعلومات المتبادلة، الثقة المشروعة المرتبطة بتصرفات المتفاوضين والثقة المرتبطة بطبيعة المتفاوضين), و تبناها في كثير من الأحكام التي صدرت عن المحاكم اللبنانية
المفاوضات التعاقدية
يمكن أن يقوم الأطراف بتنظيم المفاوضات في عقود تحصيرية، وتهدف هذه العقود الى الوصول إلى العقد النهائي، لذلك تتم المفاوضات بشكل منظم، مثلًا يتم وضع بند يحدد ممثل الطرف الأول و ممثل الطرف الثاني في هذه المفاوضات، صلاحيات كل منهما، ذكر أن الإتفاق المبدئي الذي يتوصل إليه ممثلا طرفي المفاوضات يحتاج إلى موافقة مجلس الإداره ليشكّل عقدًا نهائيًا، يتم ذكر وجوب المحافظة على سرية المعلومات المتبادلة وموجب التفاوض بحسن نية وعدم استعمال المعلومات المحصلة بحال عدم نجاح المفاوضات ، تحديد مدة ومكان إجراء المفاوضات… فالعقود التحضيرية تضع الإطار الذي يتم التفاوض ضمنه. وهناك نوعٌ آخر من العقود التحضيرية وتطلق عليها تسمية الاتفاقات المبدئية و هي نوعين
أ- الإتفاق المبدئي: هو الذي يعبّر فيه الأطراف عن إرادة غير ملزمة بالتعاقد حيث يتم الإتفاق على جميع العناصر الأساسية للعقد، دون أن يكون هذا الإتفاق نهائيًا وملزمًا، إنما يحتاج إلى موافقة نهائية من صاحب القرار ( مجلس الإدارة) فيحتاج هذا الإتفاق الى تأكيد لاحق من الشخص الذي يمثله المتفاوض أو من شخص يعلوه منصبًا وهذا العقد ليس عقدًا نهائيًا، وغير ملزم للأطراف ويمكن الرجوع عنه، وهذا العقد يعبر عن نية الأطراف في الوصول الى تعاقد فيما بينهم أكثر من كونه يعبر عن إرادة ملزمة. لكي تعتبر الدعوة الى التعاقد عرضًا لا بدّ أن تعبر عن إرادة ملزمة و تحدد العناصر الأساسية للعقد المنوي إبرامه
ب- الإتفاق على المبدأ: هو أن يتفق الفريقين على موضوع العقد و يبقى عليهم الاتفاق على بعض العناصر الأخرى، أي يعبر عن إرادة ملزمة بالتعاقد ويبقى أن يتفق الطرفان على تحديد العناصر الأساسية لإبرام العقد النهائي، وفي هذه الحالة تكون نشأت لدى الطرف الآخر ثقة مشروعة بإمكانية الوصول إلى عقد نهائي
تختلف تسميات العقود التحضيرية، فكل من الأطراف يطلق عليها تسمية معينة قد يطلق عليها تسمية مذكرة تفاهم مثلًا، إنما الأهمية في العقود ليست للتسمية بل للمضمون، والقاضي هو الذي يفسر العقود بناءً لمضمونها ليس لتسميتها وعنوانها، إلا أن قانون الموجبات والعقود ألزم القاضي أن يقف على نية المتعاقدين وقصدهم وليس على المعنى الحرفيّ للنص و جاء ذلك في المادة 366 من قانون الموجبات والعقود. ، إذًا فالقاضي يعطي الوصف القانوني للنص المكتوب في العقد مع أخذه بعين الإعتبار نية وقصد المتعاقدين. القيمة الأساسية لهذه الإتفاقات تكمن في العنصر الأساسي وهو الرضى الذي ينشأ عن التقاء مشيئتين، و القوة الملزمة للعقد تنشأ من التقاء المشيئتين، فالعقد يستمد قوّته القانونية من إرادة الفرقاء الملزمة بترتيب نتائج قانونية ملزمة، والعقد لا يعبر عن عرض ما لم يعبر عن إرادة العارض الملزمة بالتعاقد
إن الإتفاق المبدئي أو عقد التفاوض ينشآن موجب التفاوض و موجب حسن النية خلال المفاوضات، وموجب حسن النية هذا ينشئ عدة موجبات على الأشخاص خلال مرحلة المفاوضات
أ- إعتماد تصرفات بنّاءة وصادقة ومتعاونة خلال مرحلة المفاوضات
ب- تقديم إقتراحات بنّاءة ومقبولة مسبةً إلى موضوع العقد
ج- السعي بشكل جدّي إلى إنجاح المفاوضات خلال مهلة معقولة
د- إعلام الفريق الآخر بالمعلومات المهمة التي لا يمكنه الوصول إليها من خلال تنفيذه لموجب الإستعلام
وهذا النوع من الإتفاقات يرتب المسؤولية التقصيرية على مخالفته، لكن لا يلزم الفرقاء بالوضول الى عقد نهائي حتمي، فإن فشلت المفاوضات وكانت تتم ضمن إطار حسن النية والتعاون بين الأطراف فلا يكون هناك أي مسؤولية على أي من الأطراف. أما الإتفاق على المبدأ ففي هذا النوع من العقود يكون العارض قد عبّر عن إرادة ملزمة بالتعاقد وبقيت بعض العناصر الأساسية التي تحتاج إلى تحديدها ليعتبر العقد مبرمًا، ويمكن أن تحوّل إرادة الفرقاء عنصرًا ثانويًا إلى عنصرٍ جوهري، كالإتفاق على آلية التسديد، في هذه الحالة تحوّل العنصر إلى جوهري بعد أن كان ثانويًا يؤدي إلى تعطيل إبرام العقد مالم يتم الإتفاق على هذا العنصر، و هذا النوع من الإتفاقات يسمى الإتفاق المبدأ أو الإتفاق الجزئي وينشئ موجب الإستمرار بالتفاوض بحسن نية بهدف الوصول إلى اتفاق بشأن العنصر الأساسي الذي يتم التفاوض لتحديده ومخالفة هذا الموجب يرتب مسؤولية المخطئ العقدية عن هذا العقد و المسؤولية التقصيرية عن العقد النهائي الذي لم يتم إبرامه بعد خلال مرحلة المفاوضات. وهكذا نكون قد عرضنا في بحثنا هذا دراسةً كاملةً شاملةً لكافة مراحل المفاوضات، نقدم من خلالها شرحًا وافيًا لهذه المرحلة الدقيقة والمهمة للحقوقيين عمومًا ولطلاب الحقوق خصوصًا