مقاربة اثنوسياسية للصراع الأرمني الأذربيجاني
بعد شبه “سلامٍ” دام حوالي ثلاثة قرون، عادت قضية أرتساخ السنة الماضية إلى الواجهة السياسية كمسألة اقليمية “مهمة للغاية” مع إندلاع الحرب في 27 تشرين الأول 2020. مع إنطلاقة الحرب، بدأ المحللون والباحثون السياسيون في أصول والعمق التاريخي الجغرافي للنزاع الارمني الاذربيجاني. بالرغم من حالة الهدنة التي حكمت الواقع الحدودي بين أرمينيا وأذربيجان، أتت الحرب لتثبت لنا أن لم يكن في الواقع يوماً “سلاماً حقيقياً ” بين الشعبين، فكل من الطرفين كان ينتظر اللحظة الإقليمية، والتفاعلات الدولية ليحسم الصراع لصالحه ويحقق القدر الأكبر من المصالح والمنافع الطويلة الأمد. بعد حربٍ دامت ستة اسابيع، أتى الحل المؤقت بصورة إتفاق وقع عليه طرفي النزاع بالإضافة إلى “الراعي الروسي”، الذي لعب الدور الحاسم للحد من العمليات العسكرية. حتى هذه اللحظة لم يطبق الإتفاق إلا بشقيها العسكري السياسي، وبقي الجزء الإقتصادي قيد التطبيق والتفاوض. إعتبر الكثير من المحللين، أن المستفيد الأكبر من هذه الحرب والإتفاق الذي تم التواصل إليه هو روسيا التي حققت “العودة” التكتيكية إلى منطقة القوقاز، بعد شبه غيابٍ روسي في المنطقة منذ إنهيار الإتحاد السوفيتي
صراع الامم
في هذه الورقة البحثية، سنقارب الصراع الارمني الاذربيجاني في أرتساخ من منطلق جيوإثني حضاري. في الفصل الأول سنعالج بعض النظريات التاريخية التي تشرح نشأة الأمتين الارمنية والاذربيجانية، كيفية بروز هاتين الحضارتين، وتكوين الوعي الجماعي لطرفي النزاع: الارمن، والاذربيجانيين. في الفصل الثاني سنرتكز في بحثنا عن نشأة الصراع، وعمقه في الذاكرة الجماعية، والتاريخية لدى الارمن من جهة والاذربيجانيين من جهة أخرى
فصل اول: نشأة الامم
تتعدد النظريات والطروحات التي تشرح نشأة الأمتين الأرمنية والاذربيجانية، وبالفعل، دراسة نشأة هذه الأمتين تتطلب دراسة معمقة لتاريخ تكوينها، أهم الأساطير التاريخية، القيم الإجتماعية، العادات والتقاليد، و-“المراحل الذهبية” التي على اساسها تبنى ركائز الأمة. ينقسم هذا الفصل لمبحثين، حيث نشرح في المبحث الأول نظريات نشأة الأمة الارمنية (أو القومية الارمنية)، ونشأة الأمة الاذربيجانية في المبحث الثاني
مبحث اول: نظرية نشأة الامة الارمنية
في هذا المبحث نتطرق إلى أهم النظريات التي قد تشرح الأصول الارمنية وتاريخ “التكوين العرقي” للأمة الارمنية. في المطلب الأول من هذا المبحث نشرح “نظريات الهجرة” حول تكوين الأمة الارمنية حسب كل من سورين يرميان، المؤرخ الارمني والمتخصص في تاريخ واصول الحضارة الارمنية، وايغور دياكونوف، الروسي الأصل والمتخصص في دراسة التاريخ القديم. في المطلب الثاني سنقارب نشأة الأمة الارمنية إنطلاقاً من النظرية اللغوية لرفائيل ايشخانيان، والتي تشرح نشأة الأمة الارمنية من خلال تعمقه في أصول اللغة ارمنية وبمقاربة لغوية بحتة
نظريات الهجرة حول نشأة الامة الارمنية
في المجلد الثامن لكتاب “تاريخ الشعب الأرمني” الذي تم نشره في معهد التاريخ التابع لأكاديمية العلوم الأرمينية الاشتراكية السوفياتية عام 1974 ، أكد يريميان أن الاتحاد القبلي لهياسا-عزي (حوالي 1500-1200 قبل الميلاد)، والذي كان يقع في الجزء العلوي من نهر الفرات في منطقة أرزينجان وأرزروم الحديثة، يشكل أقدم مكون عرقي للشعب الأرمني وكان أساس تكوينه العرقي. لا يزال عدم اليقين سائدا حول ما إذا كان الاسمان “هياسا” و”عزي” يشيران إلى وحدتين جغرافيتين مترابطتين أو ما إذا كانا تسميتين مختلفتين للوحدة نفسها. بالنسبة ليريميان، تحدثت شعوب هياسا-عزي باللغة “الحثية” و”اللوفية” التي لا علاقة لها باللغة الأرمنية الحديثة
انطلاقاً من هذه الفرضية، يعتبر يريميان ان الأوروميين، مجموعة من القبائل الثراكو-فريخية، حملت اللغة الأرمنية البدائية من البلقان إلى “الهضبة الأرمنية”. اذ في مرحلة “الهجرات العرقية العامة” في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، نزح الأريمي-أوروميون، مع مجموعة من القبائل المقيمة في المناطق المحاذية لهم، بإتجاه الهضبة الشمالية لنهر الفرات ونهر أرسانياس واندمجوا مع السكان الأصليين لشوبريا (منطقة هوريان) في جبال ساسون ومدينة موش، وأسسوا “دولة” أورمي أو أورومو أو أرمي
تشكلت في منطقة ساسون الجبلية نواة الدولة الأرمنية المستقبلية والشعب الأرمني، حيث بقيت هذه المنطقة الجبلية محمية من الغزوات الاشورية والاوراترية. في المراحل اللاحقة، اختلط الأريمي (الأورومينيون)، مع الموشكيين أو الفريجيين الذين ارتبطوا بهم برابط اللغة، ودخل المكون الثراكو-فريجيان إلى التكوين العرقي للشعب الارمني. فيما بعد نجح الأرمين (الارمن) ، بعد اتحادها مع اتحادات قبلية محلية ، في اسقاط الإمبراطورية الآشورية والمملكة الأورارتية في نهاية القرن السابع قبل الميلاد. يستلخص يريميان ان بعد انهيار اللامبراطورية الاشورية والمملكة الاوراترية استقر الأرمينز (الارمن) في أراضي الأورارتيين، ومنطقة فان (المرتفعات الارمنية)، و تشكل الشعب الأرمني
نشأة الأمة الارمنية حسب إيغور دياكونوف
قارب العالم الروسي ايغور دياكونوف نظرية الهجرة لتكوين الامة الارمنية من منطلق اخر وبالاستناد الى معطيات تاريخية – اثنية مختلفة. ففي عام 1968 صاغ الباحث الروسي نظريته وأشار فيها إلى أن القبائل الثراكو فريجية الناطقة باللغة الارمنية البدائية لم تكن المكون الوحيد للشعب الأرميني، بل حتى القرن الثالث عشر بعد الميلاد، كان هناك عدد من قبائل “الهورو-اورارتية” و”اللوية” التي كانت قد استقرت في “المرتفعات الأرمنية” وصولاً الى وادي “الفرات الأعلى”. يعتقد دياكونوف ان في هذه المرحلة كان من الممكن أن يكون “المجتمع الطبقي قد بدأ في الظهور في بعض الأماكن، وكذلك تشكيلات الدولة الأولى”. يشرح دياكونوف في هذا الاطار، ان المعلومات الضئيلة للغاية عن المرتفعات الأرمنية في الألفية الثالثة قبل الميلاد تعقد تحديد موقعها الدقيق، ولكن يحددها بأنها “تنتمي إلى منطقة ثقافة كور-أراكسيس التي تمت دراستها بشكل كافٍ في القوقاز” ولذلك يمكننا فحص السكان في المرتفعات بالقدر الذي تسمح به المصادر الأثرية
حدد دياكونوف أيضًا في دراسته للاصول الارمنية، سكان موشكي الشرقية والأوروميين الذين جاءوا إلى وادي أعالي نهر الفرات ونهر أرسانياس (أو مراد سو) في الربع الثاني من القرن الثاني عشر قبل الميلاد ، (وهي المرحلة التاريخية التي شوهد خلالها تيارات هجرة متعددة) ضمن الفئات الناطقة باللغة الارمنية البدائية، مضيفاَ ان طبيعة عمل القبائل الناطقة باللغة “الارمنية البدائية” المرتكز بحدٍ كبير على تربية الماشية والحاجة للتنقل الدائم دفعت بهم للهجرة بإتجاه المرتفعات الارمنية. بشكلٍ عام ان المنطقة التي استقر فيها المتحدثون باللغة الأرمنية البدائية واخذوا منها موطناً لهم في المستقبل هي المناطق المحاذية لجبال ساسون. بجسب دياكونوف، كان السكان الأصليون الموجودون في منطقة الاستيطان هذه من الحوريين واللويان بشكل اساسي ولكن بحلول الوقت ظهر الموشكيون والأوروميون في هذه المناطق واندمجوا مع السكان الاصليين. من خلال دراسيه للتاريخ القديم في منطقة القوقاز يعتقد الباحث الروسي ان من المحتمل أن تكون الهيمنة الأورارتية، التي استمرت حوالي 200 سنة، قد أدخلت مزيجًا إضافيًا من السكان الناطقين بالأورارتية. وسضيف ان في مرحلة من المراحل ساعد الأورارتيون أنفسهم في توطين المتحدثين باللغة الارمنية البدائية نتيجة سياسة “التوطين” التي اعتمتدها الامبراطورية الاورارتية. اضافة الى ذلك، يتبر دياكونوف ان في القرن التاسع قبل الميلاد كانت هناك بعض المناطق التي لم تكن تحت سيطرة الإمبراطوريتين الآشورية والأورارتية، التي بلا شك (حسب تحليل دياكونونف) لعبت دورًا مهمًا في ظهور الدولة والشعب الأرمني في وقت لاحق. اذ يعتبر المؤرخ الروسي لن “ميليد” هي النواة الجغرافية لنشأة الشعب والوطن الأرمني. عاصمة مملكة أرمينيا الأسطورية تيغران في القرن السادس قبل الميلاد. اعتبر المؤرخون الأرمن هذه الفترة التاريخية ، التي ارتبطت بالملك ديكران، عصرًا ذهبيًا ساهم في تكوين الأمة ورفع الوعي بالهوية الوطنية المشتركة
اذاً، يستلخص دياكونوف أن الشعب الأرمني القديم قد تشكل في أعالي وادي الفرات من الحوريين واللويين والقبائل الناطقة باللغة الارمنية البدائية (الموشكي والأوروميين). في وقت لاحق ، شكل الحوريون والأورارتيون المجموعات العرقية الرئيسية للشعب الارمني وحددوا الخط الأساسي “للخلافة البيولوجية”. هذه العملية، التي بدأت في القرن الثاني عشر قبل الميلاد في المرتفعات الأرمنية، اكتملت في القرن السادس قبل الميلاد
في أوائل الأربعينيات قرن الماضي، تعرضت نظريات الهجرة المتعلقة بأصل الشعب الأرمني للنقد من قبل العديد من العلماء الأرمن، الذين اعتقدوا أن الأرمن هم السكان الأصليون للهضبة الأرمنية التي حملت اسمهم، وبرزت النظرية “اللغوية” لشرح اصول الامة الارمنية، فما هي هذه النظرية؟ وكيف تشرح “اصول” ونشأة الامة الارمنية
المقاربة اللغوية لنشأة الأمة الارمنية
في السبعينيات، انتقد اللغوي الارمني رفائيل إيشخانيان، نظريات الهجرة التي اعتبرت الأرمن مهاجرين هاجروا إلى المرتفعات الأرمنية واستوعبوا السكان الأصليين في المناطق التي لجأوا اليها، وقارب موضوع “نشأة الارمن” من منظار لغوي. ففي دراسته لنشأة الارمن أكد إيشخانيان أن الأرمن كانوا من الأوائل من أولئك الذين تحدثوا اللغة الأرمنية كفرع منفصل عن مجموعة اللغات “الهندو الأوروبية”. لذلك، لجأ ايشخانيان الى دراسة التقسيمات اللغوية للغات الهندو اوروبية لتحديد تاريخ الارمن والمجموعات “العرقية اللغوية المختلفة”. انطلاقاً من دراسته للاصول اللغوية، استنتج اللغوي الارمني أن أصل الأرمن يعود على الأقل إلى الفترة الزمنية ما بين الألفية السادسة والرابعة قبل الميلاد ، حيث برأي ايشخانيان ظهر الارمن كمجموعة عرقية لغوية منفصلة. استنادًا إلى الدراسات التي أجراها توماس غامكريليديز وفاتشيسلاف إيفانوف (اثنان من اللغويين السوفييت)، الذين حاولوا تضييق وتحديد نطاق الوطن الأصلي للهندو-أوروبيين، حدد إيشخانيان أراضي “الأوروبيين البدائيين” في ‘الجزء الشرقي من آسيا الصغرى (شرق الأناضول) وأجزاء من إيران (اليوم) وتمحورت حول منطقة كور أراكسيس’. وبالتالي اعتبر ايشخانيان ان الأرمن مثل “اللويين والحتيين، والإيرانيين الهندو الإغريق، هم ايضاً من إحدى الوحدات العرقية اللغوية التي بقيت عند تقسيم الهندو-أوروبيين في وطنهم الأصلي أو لم يبتعدوا عنها”. على هذا النحو، جادل بأن الأرمن هم السكان الأصليون الذين استقروا على المرتفعات الأرمنية وأن جميع “الدويلات” التي برزت في هذه المنطقة (المرتفعات الارمنية)، بما في ذلك أورارتو، هي بالفعل أرمنية
بالإضافة إلى البراهين اللغوية، استند إيشخانيان على أدلة أخرى لإثبات أن الأرمن هم السكان الأصليون للمرتفعات الأرمنية مبرراً ان “وجد البحث الأنثروبولوجي أن النوع الأنثروبولوجي الأرمني عاش على المرتفعات الأرمنية منذ الألفية الرابعة قبل الميلاد”. علاوة على ذلك، فيما يتعلق بالمصادر التاريخية، فإن مصطلح “أرمينيا” باسم “أرماني” قد ورد لأول مرة في النقوش الملكية الأكادية في القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد باعتباره الدولة التي كانت موجودة في تلك الفترة
مبحث ثانٍ: نشأة الامة الاذربيجانية
إن دراسة الهوية الثقافية الأذربيجانية في عهود ما قبل الحداثة ومحاولة ربط هذه الثقافة وجذورها بأراضي أذربيجان الحديثة هي بلا شك امر معقد وتجوبة عدة إشكاليات. تعتبر معظم الدراسات أن معظم المجموعات العرقية التي يتألف منها الشعب الأذربيجاني الحديث من أصول إيرانية وتركية. بالرغم من التعقيدات والاشكاليات، نرتكز في هذا المبحث على نظريتين تعالجان الأصول الاذربيجانية. في الفقرة الأولى من هذا المبحث نعالج ونشرح النظرية الوسطى/ الأتروبينية، وفي الفقرة الثانية النظرية القوقازية الألبانية
النطرية الميدية/ الاتروبينية حول اصول الاذربيجانيين
ربطت النظرية الميدية أصول الأذربيجانيين بمنطقة إيران (التي كانت جنوب أذربيجان). اذ اعتبر رواد هذه النظرية ان الميديون، وهم من الشعوب الهندو أوروبية هم أسلاف الأذربيجانيين. حسب المنظرين، استقر الميديون في الأجزاء الشرقية من إيران الحالية (الجمهورية الاسلامية الايرانية)، وبالتحديد حول همدان وأصفهان منذ بدايات القرن التاسع قبل الميلاد ، وشكلوا دولة فيما بعد
من الناحية الدينية، تأثرت القبائل المقيمة في المناطق المشار اليها، بثقافة الشعوب المحاذية وبالاخص الثقافة الفارسية التي اعتنقت الديانة الزرادشتية وتبنتها كدين رسمي. في سبعينيات القرن الماضي ، برزت مقاربات المؤرخ إيغرار علييف الذي درس الاصول الاذربيجانية انطلاقاً من النظرية “الميدية”. انطلق المؤرخ الأذربيجاني باعتبار الاذربيجانيين من أصول ميدية، مركزاً على دور الميديين في التولد العرقي للأذربيجانيين. من ناحية اخرى اشار علييف الى الهيمنة الثقافية الإيرانية على الشعب الاذربيجاني معتبراً أن بحلول الألفية الأولى قبل الميلاد، اندمجت المجموعات العرقية المختلفة في في المنطقة الشمالية لايران مثل الحوريون، اللولوبيون، مع الميديين الهندو-أوروبيين وأصبحت تتحدث الفارسية وتأثرت بالثقافة والمؤسسات الإيرانية، بالتالي يستنتج غلييف ان الميديين لعبوا دوراً حاسمًا في عملية التكوين العرقي للشعوب المتداخلة لمختلف القبائل والشعوب التي استقرت على أراضي أذربيجان الحالية
من وجهة نظر إثنو ثقافية، كان الميديون هم العنصر العرقي المهيمن في التكوين العرقي الأذربيجاني الا ان التطور الابرز للغاية في مسار إنشاء العرق الأذربيجاني في العصور القديمة كان قيام الدولة الأتروباتينين (دولة اتروباتين، والتي تعني أيضًا أرض النار) في القرن الرابع قبل الميلاد. اذ حسب المراجع التاريخية، تأسست أتروباتين عام 320 قبل الميلاد على يد مرزبان فارسي (أشامينيد) في عهد الإسكندر الأكبر على أراضي جنوب أذربيجان. وعلى الرغم من أن التكوين القبلي لأتروباتين كان مزيجًا من الحوريين واللوبيين ومناي والميديين، إلا أنه ككيان ذو طابع “الدولة” خلق واقعاً جديدًا، وكان نقطة تحول في تاريخ تكوين الامة الاذربيجانية
في هذا الاطار، جادل العلماء الأذربيجانيون بأن “أذربيجان” نشأت مع إنشاء أتروباتين. عالجت المجلدات الثلاث ل”تاريخ أذربيجان” التي كتبت في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات ونشرته لاحقًا الأكاديمية الأذربيجانية للعلوم ، اشكالية “أصل الأذربيجانيين” وانتهت بالاستنتاج التالي: ان الشعوب الميدية-الاتروبارتية هي جوهر التكوين العرقي للشعب الاذربيجاني (اسلاف حاملي الجنسية الاذربيجانية اليوم) ، ومن ثم تعرضت ل”التتريك” في القرنين الرابع والسادس الميلاديين
يعكس هذا التفسير الأصل الميدي الأتروبيني المتشابك للشعب الأذربيجاني
البان القوقاز
يطرح بعض العلماء الأذربيجانيون المعاصرون فرضية أن الشعب الأذربيجاني الكائن اليوم هو من اتباع ونسل “ألبان القوقاز”. وردت هذه المقاربة لتحديد الاصول الاذربيجانية بشكلٍ موسع في دراسة المؤرخ الأذربيجاني ضياء بنياتوف عام 1965 بعنوان “أذربيجان في القرنين السابع والتاسع”. ترتكز هذه المقاربة على المصادر اليونانية والرومانية (سترابو، بطليموس وبليني)، التي حددت حدود الدولة الألبانية من بحيرة سيفان شرقاً إلى بحر قزوين في الشمال، ومن جبال القوقاز إلى نهر أراكس في الجنوب. حسب المصادر التاريخية نشأت ألبانيا القوقازية (عدم الخلط بينها وبين ألبانيا البلقان) في النصف الثاني من الألفية الأولى قبل الميلاد
استناداً على المصادر اليونانية (على سبيل المثال ، سترابو ، من القرن الأول قبل الميلاد إلى القرن الأول قبل الميلاد) ، اعتبر الباحثون الأذربيجانيون بأن في القرن الثالث قبل الميلاد كان تميزت ألبانيا بمراكزها الإدارية والثقافية مثل جانجا وبردا (بارتاف) وشيكي وناختشيفان وباكو، واعتبروا ان في القرن السادس الميلادي ، قامت ألبانيا ككيان ذا حكم ذاتي له لغته الخاصة (من اللغات الداغستانية) وشعبه وحاكم وإن كان تابعًا للملك الفارسي
ألبانيا ، والتي عرفت أيضًا ب”أغفان” ، “ألبان” وبعد ذلك “آران”، استمرت ككيان شبه مستقل حتى القرن التاسع قبل الميلاد ، حتى ان فقدت استقلالها لصالح دويلة “شيرفانشاه” التي أنشأتها إيران الساسانية ووحدت ضمن اطاره “ايران الساسانية” مجموعة الدويلات القائمة ضمن جغرافيتها للدفاع عن حدودها ضد الخزر (القبائل التركية). بقيت دولة شيرفانشاه قائمة ومتحدة حتى استولى الصفويون على العرش في إيران في القرن السادس عشر قبل الميلاد. مع قيام المبراطورية الايرانية، ألحقت شيرفانشاه للتنظيم الاداري للامبراطورية. للإشارة، عبر كل هذه المراحل التاريخية تأثر الألبان بالثقافة الفارسية محتفظاً بخصوصيتهم ضمن حدود مملكتهم (الفاقدة السيادة). في القرن الرابع بعد الميلاد، تبنت هذه المملكة المسيحية كديانة رسمية داخل المملكة حتى سقطت ألبانيا القوقازية في يد الخلافة العربية ، مما أدى إلى أسلمتها. على الرغم من أن غالبية السكان اعتنقوا الإسلام وتأثروا بالثقافة الإسلامية، الا إن بعض المراجع الاذربيجانية وصلت الى الاستنتاج بأن أولئك الذين حافظوا على عقيدتهم المسيحية أصبحوا “أرمنًا”. في هذا السياق، تشير المراجع الأذربيجانية “ان الخزر، القبيلة التركية، دخلوا كعنصر اساسي في التكوين الاثني لشعب ألبانيا القوقازية منذ القرن السادس وما بعده ، وكان الإسلام عنصرًا مهمًا في توحيد السكان كمقدمة لتطورهم لاحقًا إلى أمة
في هذا الاطار لم يتفق الباحثون ما اذا كانت الكنيسة الالبانية منفصلة أو جزء من الكنيسة الأرمنية، ومن مجمل الفرضيات حول هذه الاشكالية هي للبروفيسور روبرت هيوسن الذي يستنتج أن إذا كانت ألبانيا “قد نجت، فهي فرع منفصل للكنيسة الأرمنية في كاراباخ”. اخيراً، وبالنسبة لرواد نظرية “الاصول القوقازية” ان فرض التتريك من قبل قبائل الأوغوز (بين القرنين الحادي عشر والثاني عشر) والاندماجات العرقية لتلك الفترة نتجت بتوطيد الشعب الأذربيجاني. ومع ذلك، بالنسبة لهم، إلى جانب التتريك اللغوي، تم الاحتفاظ على “الإثنية الأذربيجانية” من الناحية الأنثروبولوجية ولم يتم استيعابها ودمجها في البوتقة التركية
على الرغم من التحدث بلغة قريبة من لغة أتراك الأناضول، إلا أن الأذربيجانيين (حسب المنظرين الاذربيجانيين)، تحت التأثير الإيراني ، تبنوا المذهب الشيعي من الإسلام في أواخر القرن السادس عشر الميلادي. من المنطقي أن نفترض أن المؤرخين الأذربيجانيين حاولوا تحديد الهوية الوطنية الأذربيجانية على أساس المجموعات العرقية الاجتماعية والثقافية ما قبل الحداثة لإضفاء الشرعية على مطالباتهم الحالية لكاراباخ
فصل ثانٍ: اصل الصراع
بعد شرحنا لاهم النظريات التكوين العرقي لكل من الارمن والاذربيجانيين، سنرتكز في هذا الفصل على البعد التاريخي والجغرافي لشرح الصراع الارمني-الاذربيجاني و”مطامع” الجانبين التاريخية للستيلاء على ارتساخ. في هذا الفصل نشرح ايضاً، اهمية ارتساخ ومدى ارتباط جغرافيتها بالذاكرة الارمنية من جهة والذاكرة الاذربيجانية من جهة اخرى
مبحث اول: ارتساخ… التاريخ والجغرافيا
في اطار شرحنا للصراع الارمني الاذربيجاني لا بد من التطرق لتاريخ “ارتساخ” ككيان جغرافي، وقيمة تاريخية مرتبطة بعمق التكوين القومي لكل من الشعبين، لنشرح فيما بعد (في القسم الثاني من بحثنا) عن قابلية الشعبين للتجييش انطلاقاّ من العقائد “القومية” الراسخة في وجدان الامم
ارتساخ، المرتفعات السوداء
في هذا المطلب، نحدد الجذور اللغوية وبعض التفسيرات التي تشرح اصول ومعنى “ارتساخ” و”ناغورني كاراباخ”، ونحدد الحدود الجغرافية التاريخية ل”ارتساخ” بالاستناد الى بعض المراجع التاريخية التي اشارت اليها
ارتساخ او ناغورني كاراباخ؟… اصل الكلمة
بحسب بعض المختصين واللغويين الغربيين والأرمن، إن النقوش التي تعود إلى العصر الأورارتي تحمل تسميات عدة للمنطقة مثل: “أرداخ” و “أورديخي” و “أتاخوني”. من ناحية اخرى، في سياق بحثه عن أرمينيا في كتابه “الجغرافيا” ، يشير المؤرخ الكلاسيكي سترابو إلى منطقة أرمينية يسميها “أوركيستين”، والتي يُعتقد بأنها اللفظ اليوناني للاسم القديم لآرتساخ
يقارب دايفيد لانغ في دراسته للأصول اللغوية ل”ارتساخ” انطلاقاً من فرضية أخرى مفادها ان “من المحتمل أن الاسم القديم لأرتساخ مشتق من اسم الملك أرتاكسياس الأول ملك أرمينيا (190-159 قبل الميلاد) ، مؤسس سلالة أرتشياد ومملكة أرمينيا الكبرى“. يعبر فئة اخرى من المؤرخين ان اصل التسمية تُنسب الى الاسطورة الارمنية “ارا الجميل” وهي غابات ارا
تشير مراجع اخرى الى ان “أرتساخ” كلمة مشتقة من كلمتين الأولى “أرا” وهو إله الشمس عند الأرمن القدماء والكلمة الثانية “تساخ” وتعني الغابة أو الكرمة، اي “غابة أو كرمة الإله أرا”. بالمقابل يعرفها الأذربيجانون باسم “بخاري قرة باغ” أي قرة باغ العليا والتي لها معانٍ متقاربة ب”ارتساخ”. ناغورني هي كلمة مشتقة اللغة الروسية، والتي تعني “المرتفعات”. بشكلٍ عام تعتمد الادبيات الأذربيجانية على تعابير مماثلة للاشارة الى اقلبم ارتساخ
لا تستخدم مثل هذه الكلمات في المراجع الأرمنية القديمة، وهي تسمية حديثة الظهور نسبياً، اذ ظهرت الحقبة السوفيتية وعرِّف الاقليم باسم “منطقة ناغورنو كاراباخ ذاتية الحكم”. يُترجم أسم الأقليم باللغات المحلية المختلفة إلى جبل كاراباخ أو الحديقة السوداء الجبلية
الجغرافيا
جغرافياً تقع أرتساخ السلسلة الشمالية الشرقية للهضبة الأرمنية وهي بغالبيتها ذات تضاريس جبلية وغابات. تصف المصادر التاريخية الأرمنية في العصور الوسطى، بأن ارتساخ منطقة جبلية إستراتيجية محصنة ضد اي عدوان خارجي. من حيث الموقع، تحدد المراجع ان تاريخياُ نُسبت تسمية للاطار الجغرافي الواقع ضمن الأرمنية التالية: يوتيك من الشرق، جاردمان من الشمال الشرقي، وسيونيك من الجنوب الغربي وحيث شكل نهر أراكس حدودها الجنوبية الطبيعية. تضمنت “مملكة أرتساخ” (1000-1261) أيضًا جاردمان وسودك وبعض الأجزاء الأخرى من جيغاركونيك (ولا سيما الشاطئ الجنوبي الشرقي لبحيرة سيفان). تقدر مساحة ارتساخ بحوالي 11528 كيلومتر مربع
في بعض مراحل العصور الوسطى، اطلق على ارتساخ اسم “سيونيك الصغرى” او سيونيك الثانية” نسبة لمنطقة سيونيك المجاورة والتي تقع بمحاذاة ارتساخ الغربية. انطلاقاً من موقعها الجغرافي الاستراتيجي واهميتها الاجغرافية تركت ارتساخ بصمة جغرافية-حضارية. اذ شملت الأماكن المهمة (المدن المحصنة في الغالب) باريسوس وتيغراناكرت وسودك وقيصر وفايكونيك وأستيغبلور وغوروز وبرداغلوخ
في وقت لاحق، وبالتحديد في حقبة ألبانية القوقازية ، أصبحت قرية جيوتاكان في ارتساخ (والمعروفة باسم “القرية الملكية”) ذات أهمية كبيرة كمقر إقامة فاتشاجان الثالث المتدين (467-510 م) ، آخر ملوك ألبانيا القوقازية . خلال العصور الوسطى المبكرة، خدمت قلعة خاشين لفترة طويلة كمركز لمدينة أرتساخ
أبعاد الصراع، بين التاريخ والذاكرة الجماعية… الشرعية التاريخية؟
طور الأرمن والأذربيجانيون تاريخًا عرقيًا وأساطير التكوين العرقي لتبرير مطالباتهم الإقليمية “بالوطن الام” الذي كانت كاراباخ جزءًا لا يتجزأ منه. ان استخدام الماضي العرقي والذكريات والقيم والتقاليد والروايات التاريخية خلق اطاراً تاريخياً، جغرافياً، وحضارياً لشرح اسس الصراع وتكثيف التنافس على كاراباخ. لذلك، لا بد من فهم تاريخ الامم لفهم طبيعة وعمق الصراع. في هذا المطلب سنشرح اهمية “ارتساخ” و”كاراباخ” في ذاكرة الشعبية الارمني والاذربيجاني
ارتساخ في الذاكرة الارمنية
كتب المؤرخون الأرمن مثل موسيس جوريناتسي (القرن الخامس الميلادي) وسيبيوس (القرن السابع الميلادي) وموسيس دشخورانتسي (القرن العاشر الميلادي) أن مقاطعتي اوتيك وارتساخ كانتا جزءًا من أرمينيا. ولتتبع الأصول الأرمنية في كاراباخ القديمة والعصور الوسطى ، عاد المؤرخون الى مرحلة “أورارتو” (القرنين التاسع والسادس قبل الميلاد) حيث ظهر اسم “آرتساخ” لأول مرة في النقوش الأورارتية ك”مقاطعة أورتيخ” أو “أورتخيني”، والتي امتدت من الضفة اليمنى لنهر كور إلى الضفة اليسرى لنهر أراكس. يمكننا تحديد اسم ” أورتيخ ” كنموذج أولي للاسم الأرمني ” آرتساخ ” ، الاسم القديم لكاراباخ
بعد سقوط أورارتو، أصبحت المنطقة، مثل بقية أرمينيا، تحت سيطرة الميديين والفرس الأشامينيين. يعتقد خوريناتسي أن مقاطعة أوتيك، التي كانت تقع على الجانب الجنوبي لأرتساخ، شكلت جزءًا من مملكة إرفاندونيس (أو أورونتيدس) الأرمنية في القرن الرابع إلى القرن الثاني قبل الميلاد. يناصر بعض العلماء الارمن النظرية الداعية بأنه بعد توحيد وقيام مملكة أرمينيا الكبرى ، تم جلب بعض القبائل القوقازية، ربما الألبان، وتم استيطانهم في آرتساخ وأوتيك بالقوة لأسبابٍ لم تذكر. ومع ذلك، لم يذكر سترابو اي تواجد للألبان في ارمينيا بشكلٍ عام وارتساخ بشكلٍ خاص في هذه المرحلة. اضافة الى النظريات السابقة، ذُكر أرتساخ في القرن السابع الميلادي على “الأطلس الأرمني” “أشخاراتسو” باعتبارها المقاطعة العاشرة لأرمينيا الكبرى ما يؤكد ان ارتساخ كان جزءاً من ارمينيا التاريخية. تبنى أرتساخ المسيحية في القرن الرابع بعد الميلاد وظلوا جزءًا من المملكة الأرمنية حتى سقوطها عام 428 م. تغير الوضع السياسي لأرتساخ عندما سقطت أرمينيا وقسمت بين الإمبراطورية الرومانية والفرس الساسانيين، بعد القضاء على المملكة الأرمنية في عام 428 م. بعد سقوط المملكة الارمنية اقتُطع آرتساخ سياسياً عن أرمينيا وأعيد تنظيمهما ضمن كيان سياسي جديد في الجزء الشرقي من القوقاز في كيان سياسي جديد تسمى أران أو ألبانيا
تلخيصًا لهذه التغييرات، كتب هـ. أناسيان: “بعد تقسيم أرمينيا، ان الجزء الجغرافي الذي كان من المفترض ان يكون “ألبانيا” ، بقي أرضًا و سكانًا ، يمثل أرمينيا والأرمن والقيم الأرمنية… ولكن الكثير من الياحثين تجاهلوا هذا الواقع” .لم توضح اهمية الهوية الارمنية لألبانيا الا بعد ان اشار المؤرخ الألباني-الأرمني موفسيس داشخورانتسي في كتابه تاريخ أغفانك (ألبانيا) الذي كتبه في القرن العاشر الميلادي، الى دورالارمن والقيم الأرمنية في تكوين “البانيا” مثيراً عظمة الكنيسة الألبانية التي كانت فرعًا للكنيسة الأرمنية
من المراحل الراسخة في الذاكرة الارمنية هي المرحلة الممتدة بين القرنين السابع عشر والثامن عشر، حيث اصبح ارتساخ رمزاً للتحرر والنضال الارمني. فبعدد تمدد الهيمنة الإسلامية العثمانية، وسقوط الكيانات تلا الاخرى ناشدت السلطات الإقطاعية الارمنية والكنيسة الارمنية في كاراباخ الحكام الأوروبيين وروسيا لتحريرهم من الهيمنة الفارسية والتركية. ولكن بعد فشل محاولاتهم لتأمين الحماية الأجنبية، قامت الحركة القومية الأرمنية أجل التحرير والتحرر. اذاً، ارتكزت الذاكرة الارمنية على التاريخ القومي الأرمني الذي شدد على الطابع الأرمني لكاراباخ منذ العصور القديمة وسعى إلى التقليل من الأهمية الأذربيجانية في المنطقة. رفضت المراجع النظرية “الالبيانية” لتكوين الامة الاذربيجانية، وشككت في الصلة بين ألبانيا القوقازية وأذربيجان المعاصرة ، رافضةً قبول أن ألبان القوقاز هم أسلاف الأمة الأذربيجانية الحديثة. كما شدد التأريخ القومي الأرمني على أن ألبانيا هي نفسها أغفانك الأرمينية ولا يمكن اعتبارها موطن أجداد الأذربيجانيين
اخيراً نستلخص ان أكد المؤرخون الارمن على الأصول الأصلية للأرمن وتشكيلات دولتهم المبكرة في المنطقة لإضفاء الشرعية على مطالبهم الإقليمية بكاراباخ. وقد طعن المؤرخون الأذربيجانيون بالمقاربة الأرمنية لتحديد ماضي كاراباخ العرقي كوطن الأجداد، وخلق ذاكرة جماعية بهذا الاتجاه، لإضفاء الشرعية على مطالبة أذربيجان بكاراباخ. وهذا ما سنشرحه في الفقرة الثانية
ارتساخ في الذاكرة الاذربيجانية
حاول معهد التاريخ الاذربيجاني وبعض المؤرخون الأذربيجانيون مثل ز. بوناتوف، وف. ماميدوف ، مقاربة موضوع “الشرعية التاريخية” انطلاقاً من أن الألبان القوقازيين هم أسلاف مباشرون للأذربيجانيين المعاصرين وبالتالي كل شيء في أرتساخ وأوتيك، بما في ذلك منطقتي ناخيتشيفان وزانجيزور، مرتبط بألبانيا وهي ألبانية، مما يعني أنها كانت كلها أذربيجانية
بالنسبة للمؤرخين الاذربيجانيين كل المراجع التي اعترفت بأرمنية كاراباخ ‘أسطورة” ليست الا “روايات واساطير” وجميع الإبداعات والمعالم المعمارية التي صُنفت بانها أرمنية من أصل أغفاني لا أساس لها. جغرافياً، حاول بعض المؤرخين من مدرسة باكو الإشارة إلى أن الأراضي الممتدة بين بحيرة سيفان ونهر كور، بما في ذلك كاراباخ، كانت تنتمي منذ العصور القديمة، ليس لأرمينيا، ولكن لألبانيا القوقازية، وبالتالي هذا النطاق الجغرافي هو الوطن الام للأذربيجانيين. يعتبر المؤرخون الأذربيجانيون أيضًا ان أول مرة تم ذُكر كاراباخ في التاريخ كان في القرن التاسع قبل الميلاد، عندما كانت المنطقة تابعة للمملكة الأورارتية وغزاها الميديون لاحقًا. مع تراجع الأخير، سيطر الفرس على كاراباخ. عندما ظهرت مملكة إرفاندونيس الأرمنية، في القرن الرابع إلى القرن الثاني قبل الميلاد، اصبح أرتساخ وأوتيك (كاراباخ العليا والسفلى) جزءاً من هذه المملكة “على حساب أسيادهم الألبان السابقين”. من ناحية استند بعض المؤرخون الأذربيجانيون على نظريات بعض المؤلفين الأوروبيين والروس، مثل بروسيت وهوبسكمان وتومانوف وتريفير، الذين اعتبروا أن أرتساخ وأوتيك كانوا جزءاً من ألبانيا لفترةٍ طويلة حتى سقوط المملكة الأرمنية في عام 428 م. وبحسب هذه النظريات تم أخذ اسم المقاطعة من قبيلة من المحتمل أن تكون ألبانية والتي ربما كانت تعيش على الضفة اليمنى لنهر كور وتم تحويلها إلى أرمينية فيما بعد. اعتبر الأذربيجانيون أن مجموعة العرقية هي أحفاد محتمل للألبان الذين تحدثوا لغة ألبانية قبل اختفائهم، وجادل الأذربيجانيون بأن إقليم داغليغ كاراباخ (كاراباخ الجبلية) كان دائمًا جزءًا لا يتجزأ من أذربيجان
انطلاقاً من النظريات التي سبقت، ما زالت اذربيجان تبني مطالبها “الجغرافية” بناءاً على حدود ألبانيا القوقازية واعتبار الجزء الجنوبي من جمهورية داغستان الاشتراكية السوفيتية المتمتعة بالحكم الذاتي ، وكل أذربيجان السوفيتية، اقليم كاراباخ وجزء كبير من شرق أرمينيا الموطن الام للاذربيجانيين. وبالتالي إضفاء “الشرعية” على حيازتهم للأراضي المتنازع عليها كاراباخ وناخيتشيفان وزانجيزور. من ضمن المطالب الجغرافية طالب الأذربيجانيون (وما زالو) بمنطقة شوشي أو شوشا، التي كانت بمثابة نقطة محورية للأمة الأذربيجانية الناشئة والمشاعر الوطنية لأن الأذربيجانيين بالنسبة لهم. اذ يعتبر المؤرخون الاذربيجانيون مدينة شوشي كرمز تاريخي للدولة الأذربيجانية ليس فقط لتجسيدها للماضي العرقي الأذربيجاني ولكن أيضًا بسبب سمعتها كواحدة من المراكز العلمية والثقافية في أذربيجان
اخيراً، نستنتج ان حاول المؤرخون الأذربيجانيون تقديم روايات تاريخية تدعم الأصول الأصلية القديمة للشعب الأذربيجاني. وفي هذا السياق ربما تلخص وجهة نظر المفكر الأذربيجاني روفات نوفروزوف دور وهمية كاراباخ الحاسم بالنسبة للأذربيجانيين
كانت الأرض هي كل ما تبقى لنا … لا يمكنهم تغيير أراضينا دون موافقتنا. لذلك أصبح القتال على الأرض صراعًا من أجل قيمتنا وكرامتنا كشعب وأمة
روفات نوفروزوف
المراجع
Astourian, Stephan H., ‘In Search of their Forefathers: National Identity and the Historiography and Politics of the Armenian and Azerbaijani Ethnogenesis’, in Donald V. Schwartz and Razmik Panossian (eds), Nationalism and History: The Politics of Nation- Building in Post-Soviet Armenia, Azerbaijan and Georgia (Toronto: University of Toronto Press, 1994), p. 43-45.
Diakonoff, Igor M., The Pre-History of the Armenian People (New York: Caravan Books, 1984), p. 125-127.
Ishkhanyan, Rafael, Nash’at Al-Arman Wa-Tarikhuhum Al-Qadim [The Origins of the Armenians and their Early History], translated by Huri Azazyan (Beirut: Catholicossate of the House of Cilicia, 1986).
Van der Leeuw, Charles, Azerbaijan: A Quest for Identity (London: Curzon Press, 2000), pp. 25-6.
Chorbajian, Levon; Donabedian Patrick; Mutafian, Claude. The Caucasian Knot: The History and Geo-Politics of Nagorno-Karabagh. NJ: Zed Books, 1994, p. 52
Levon Chorbajian, Patrick Donabedian and Claude Mutafian (eds), The Caucasian Knot: The History and Geopolitics of Nagorno-Karabakh (London: Zed Books, 1994)
Dragadze, Tamara, ‘Azerbaijan and the Azerbaijanis’, Graham Smith (ed.), The Nationalities Question in the Post-Soviet States (New York: Longman, 1990, second edition 1996).